فالجواب في ذلك : أن موضع كان موضع الإخبار للفائدة ، فمتى حصل فيها فائدة للمخاطب جاز استعمالها ومتى بعدت / من الفائدة لم يجز استعمالها ، فلو قال قائل : كان رجل قائما ، لم يكن في هذا الكلام فائدة للمخاطب لأن المخاطب يعلم أن الدنيا لم تخل من رجل قائم ، ولو قال له : كان رجل في الدار قائما ، لكانت له في ذلك فائدة لأن المخاطب قد يجهل أن يكون في الدار رجل قائم إذا كانت الدار معينة ، فقد بان بما ذكرناه أنه لا تختلف المعرفة والنكرة في الإخبار عنها إذا كان في الخبر فائدة إلا من جهة الحسن والقبح ، وجاز أن يخبر عن النكرة لأن المخاطب مستفيد ما قد كان يجوز أن يجهله. ألا ترى أنك إذا تقول : ما كان أحد مثلك ، فقد يجوز أن يكون يعتقد أن له مثلا ثم يستفيد بخبرك عنه خلاف ما كان يعتقده ، فقد بان أن في هذا الخبر وإن كان نكرة فائدة ، وإن لم يجز استعمال عكس هذا في الواجب نحو : كان أحد مثلك ، لأن أحدا اسم عام والنفي يصح أن يقع على عموم الأشياء ولا يصح إيجابها ، ألا ترى أنك لو قلت : ما جاءني أحد ، لصح الكلام ، ولو قلت : جاءني أحد ، كان محالا إذا أردت بأحد الناس أجمعين وإنما اختص النفي بهذا لأنه قد يصح نفي الضدين ولا يصح إثباتهما نحو قولك : زيد ليس بالأبيض ولا الأسود ، ولا يجوز أن تقول : زيد أبيض أسود ، فجاز أن يختص النفي ببعض العبارات التي للعموم لأن في العموم اجتماع الأضداد ، كما جاز أن يختص بجواز نفي الضدين ، ولم يجز وقوع العموم المختص بالنفي في الإيجاب كما لا يجوز اجتماع الضدين في جوهر واحد (١).
فإن قال قائل : فلم جاز تقديم الخبر على هذه الأفعال ولم يجز تقديم الاسم؟
قيل له : إن الاسم المرفوع في هذه الأفعال مشبه بالفاعل والخبر مشبه بالمفعول ، ومن شرط المفعول أنه يجوز أن يتقدم على الفاعل والفعل ولا يجوز تقديم الفاعل
__________________
(١) انظر سيبويه ١ / ٥٤ هذا باب تخبر فيه عن النكرة بنكرة. (هارون).