باب التثنية والجمع
فإن قال قائل : لم اختلفت التثنية والجمع هذا الاختلاف (١)؟
فالجواب في ذلك أنه لضرورة أدت إليه ، وذلك أن الاسم المرفوع كان حقه أن يثنى بالواو ، لأن الضمير بالواو فيقال : جاءني الزيدون ، بفتح ما قبل الواو ، وفي الجمع الزيدون بضم ما قبل الواو ، وكان يجب في الجر أن يقال : مررت بالزيدين ، بفتح ما قبل الياء في التثنية وبكسره في الجمع ، فيقع الفصل بين تثنية المرفوع وجمعه وبين تثنية المجرور وجمعه باختلاف الحركات ، فإذا بنينا المنصوب على هذا القياس لزم أن تقول : رأيت الزيدان ، لأن الفتحة من الألف ، ولو فعلنا هذا وأردنا الجمع لزم أن ترجع الألف في الجمع كما رجعت الواو والياء في جمع المرفوع والمجرور ، ولو فعلنا هذا لم يقع فصل بين تثنية المنصوب وجمعه لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ، فلما كان هذا يؤدي إلى اللبس بين التثنية والجمع أسقطت علامة المنصوب ، ولم يكن بد من حمله إذا ثني أو جمع على المرفوع أو المجرور فكان حمله على المجرور أولى من أربع جهات : أحدها أنّ / المنصوب والمجرور قد يشتركان في المعنى كقولك : مررت بزيد ، معناه : جزت زيدا فلاشتراكهما في المعنى حمل النصب على الجر.
والجهة الثانية أنهما يشتركان في الكناية (٢) نحو قولك : مررت بك ورأيتك.
والجهة الثالثة : أن الجر ألزم للأسماء من الرفع ، لأن الرفع ينتقل إلى الفعل فكان حمل النصب على الإلزام أولى من حمله على المنتقل.
__________________
(١) تحدث الزجّاجي بالتفصيل عن هذه العلّة في باب القول في التثنية والجمع ، انظر الإيضاح ١٢١ ـ ١٢٩ ، وكذلك تحدث ابن الأنباري في أسرار العربية عن هذه العلّة ٤٧ ـ ٥٩ باب التثنية والجمع.
(٢) أي إن الضمير في حالتي النصب والجر واحد.