باب كم
إن قال قائل : لم وجب أن تبنى كم (١)؟
قيل له : إنما وجب بناؤها على الخبر لأنها نقيضة (ربّ) و (ربّ) معرب فوجب أن تجري نقيضتها مجراها إذ كان قد دخلها معنى الحرف ، ووجب بناؤها في الاستفهام لتضمنها معنى حرف الاستفهام ، فقد استحق البناء لما ذكرناه في الوجهين.
وإنما وجب أن تبنى على السكون ليكون بينه وبين حاله حال تمكن فصل ، وإنما وجب / أن يخفض بها في الخبر وينصب بها في الاستفهام لوجهين :
أحدهما : أنها في الخبر نقيضة (ربّ) ، فكما وجب الخفض (بربّ) وجب الخفض بنقيضتها.
والوجه الثاني : أن (كم) في الخبر للكثرة وفي الاستفهام يقع الجواب عنها بالقليل والكثير من الأعداد ؛ لأن المستفهم لا يدري قدر ما يستفهم عنه ألا ترى أنك إذا قلت : كم رجلا أتاك؟ جاز أن يقول : ثلاثة ، أو مئة ، لاحتمال الأمرين جميعا ، فلما كانت (كم) تقع في الاستفهام للتكثير والتقليل صار متوسط الحكم بين القليل والكثير فجعل لها حكم الأعداد المتوسطة بين الكثيرة والقليلة وما بين المئة إلى العشرة فما دونها ، فالعشرة فما دون للقلة ، والمئة فما فوقها للكثرة ، وبينهما هو المتوسط فلذلك جاز أن ينصب بها في الاستفهام ، وجعلت في الخبر خافضة (٢) حملا على لفظ العدد الكثير أعني المئة فما فوقها ، وإنما خصت بأن جعلت صدر الكلام لدخول معنى الاستفهام فيها [وجعلت في الخبر كذلك لأنها
__________________
(١) في الأصل : أي.
(٢) في الأصل خافظة.