وأما ضرب وأخواته من الأفعال فليست داخلة على شيء مستغن قبل دخولها عليه ، وإنما يخبر بها عن سبب ما يقع عليه وليس ذلك أبدا يوجب أن يكون الفاعل أبدا معرفة للمتكلم ولا للمخاطب ؛ لأنه لا تحتاج أن يكون الفاعل معرفة لأنه لا يهتم (١) بالفاعل أصلا ويكون اهتمامه وعنايته بالمفعول ، فإذا [كان](٢) كل واحد من الفعل والمفعول له حكم وفائدة تختص دون صاحبه لم يجب اعتبار معادلة الفاعل مع المفعول ، بل يجب أن يختبر اهتمام المخبر بالفاعل والمفعول فيقدم له ما يعلم أنه أهم عنده فاعلا كان أو مفعولا ، فلهذا اختلف حكم باب كان وحكم ما ذكرناه من الأفعال المؤثرة ، ومما جاء في الشعر في جعل الاسم نكرة والخبر معرفة قول الشاعر (٣)
كأن سلافة من بيت رأس |
|
يكون مزاجها عسل وماء |
العسل نكرة وهي اسم كان ، والمزاج معرفة وهو الخبر ، وإنما حسن مثل هذا لأن العسل اسم جنس فتعريفه كتنكيره في المعنى ، وقل ما يوجد في أشعارهم أن يكون الخبر معرفة محضة والاسم نكرة محضة لما ذكرناه من قبح ذلك.
فإن قال قائل : فلم يحسن في النفي أن تخبر بالنكرة نحو قولك : ما كان أحد مثلك ، وأحد نكرة ومن أي وجه كان في النفي ولم يجر في الإيجاب؟
__________________
(١) في الأصل : لا يتوهم.
(٢) زيادة ليست في الأصل ، يقتضيها السياق.
(٣) البيت لحسان بن ثابت وهو في شرح الديوان ٣ ، الكتاب ١ / ٤٩ ، ومعاني القرآن ٣ / ٢١٥ ، والكامل ١ / ١٦٤ ، والمقتضب ٤ / ٩٢ وجاء فيه أن المازني كان يروي البيت : يكون مزاجها عسلا وماء يريد : وفيه ماء ، وشرح أبيات سيبويه للنحاس ٢٠ ، وشرح أبيات سيبويه للسيرافي ١ / ٥٠ ، ونسب للمازني الرواية التي نسبها له المبرد في المقتضب ، وشرح المفصل ٧ / ٩٣ ، وشواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح ٣٦ ، ومغني اللبيب ٥٩١ ، وشرح الكافية لابن جماعة ٤١٧ ، وارتشاف الضرب ٢ / ٩٢ ـ ٣ / ٣٣٦ ، وشرح شواهد المغني للسيوطي ٢ / ٨٤٩ ، والهمع ٢ / ٩٦ ، والخزانة ٩ / ٢٢٤ ونسب لبعضهم زيادة (يكون). وهي لا تزاد بلفظ المضارع وقد وردت بعض روايات البيت : كأن خبيئة من بيت رأس ... ، أو كأن مدامة من بيت رأس ...