وأما ما كان آخره مشددا نحو أصمّ ، ومدقّ (١) ، فإنما جاء وقوع الحرف المدغم بعد ياء التصغير لأنها لا تكون إلا ساكنة ، فإذا انفتح ما قبلها وقد جرت في بابها مجرى ألف الجمع كما أن الساكن المدغم يقع بعد ألف الجمع فكذلك يجوز أن يقع بعد ياء التصغير ، وإنما ساغ ذلك لأن المدغم ترفع به لسانك رفعة واحدة مكان الساكن كالمختلط المتحرك ، وصار المدغم وما قبله كالحركة ، فلذلك جاز الجمع بينهما وإن كان لا يجوز الجمع بين ساكنين في غير هذا لخروجه عن حكم علته إن شاء الله وقد أتينا على شرح الباب فاعرفه.
باب العدد
اعلم أن القياس كان في الواحد والاثنين من الأعداد أن يضافا فيقال : عندي واحد رجال ، واثني رجال ، كما يقال : ثلاثة رجال ، إلا أنهم أسقطوا الإضافة من الواحد والاثنين لأن الواحد ينبئ عن نوعه وعدده وكذلك الاثنان ، كقولك : جاءني رجل ، ورجلان ، فلما كان لفظ رجل ورجلين ينبئ عن العدد والنوع استغني بلفظ واحد عن لفظين وقد جاء في الشعر (٢) :
كأنّ خصييه من التدلدل |
|
ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل |
وكان حقه أن يقول : فيه حنظلتان ، فاضطر إلى ما ذكرنا ، وشبهت الاثنان بالثلاثة لأنهما جمع في المعنى ، ولم يجز ذكر العدد مفردا كقولك : ثلاثة وأربعة لأنه لا يعلم من أي نوع هو أعني العدد فوجب أن يذكر العدد مضافا إلى النوع لتقع الفائدة للمخاطب إذ الغرض ذكرهما جميعا.
__________________
(١) المدق : بضمتين ، نادر : ما يدق به (القاموس دقق).
(٢) اختلف في نسبة هذا الرجز ، فنسب إلى خطام المجاشعي ، وإلى جندل بن المثنى وإلى سلمى الهذلية وغيرهم ، والبيتان في الكتاب ٣ / ٥٦٩ ـ ٦٢٤ ، وفي المقتضب ٢ / ١٥٦ ، شرح أبيات إصلاح المنطق ٣٤١ ، وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي ٢ / ٣٦١ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٢٨ ، وفي المساعد ٢ / ٧١ ، وفي شرح المفصل ٦ / ١٨ ـ ٤ / ١٤٣ ـ ١٤٤ ، وفي شرح الكافية ٣١١ ، وفي الارتشاف ١ / ٣٥٨ ، وفي الهمع ٤ / ٧٤ ، وفي الخزانة ٧ / ٤٠٠.