من ذلك : زال يزال ، كما تقول : خاف يخاف ، فأما التي تقول فيها زال يزول ، فليست من هذا الباب في شيء ولكنها تستعمل كغيرها (١) من الأفعال كقولك : زال زيد عن المكان يزول عنه ، وأما الأولى فلا تستعمل إلا / بحرف النفي لما ذكرناه.
وأما ما دام فقد تستعمل بغير (ما) إذا لم ترد المصدر والدلالة على الوقت كقولك : دام زيد على الشرب يدوم.
واعلم أن دام التي تستعمل مع (ما) لا يستعمل منها المستقبل ، لا يجوز أن تقول : ما يدوم زيد قائما ، وإنما ألزموه الماضي لأن القائل إذا قال : أنا أنتظرك ما دمت قائما ، فإنما يخبر عن حال وقت دوامه فلما كان هذا المعنى المقصود لا يحتمل إلا معنى واحدا لزم لفظا واحدا.
فإن قال قائل : فلم اخترتم أن يكون الاسم في هذه الأفعال معرفة؟
قيل له : لأن هذه الأفعال ، وباب (إنّ) إنما تدخل على المبتدأ والخبر ومن شرط الخطاب أن يكون مبنيا على المعادلة بين المتخاطبين فإذا أردت أن تخبر غيرك عن اسم بخبر لا يعرفه (٢) ، جاز أن ينصرف عن استماع خبره لأن الإنسان لا يهتم (٣) بخبر من لا يعرفه ، مع هذا فيكون المتكلم لم يعدل في المخاطبة إذ لم يستو علم من يخاطبه في معرفة المخبر عنه مع علمه ، فإذا كان المخبر عنه معرفة اهتم المخاطب بخبره وتساويا في المخاطبة ، فلهذا اختير أن يكون المبتدأ معرفة ، وإنما جوزوا في الشعر أن يكون الاسم نكرة لإن الاسم والخبر يرجعان إلى شخص واحد ؛ ولا تشبه هذه الأفعال الأفعال المؤثرة نحو قولك : ضرب زيد عمرا ، وإنما افترقت لدخول هذه الأفعال على المبتدأ والخبر ، فوجب أن يكون ترتيب ما تعمل فيه كترتيب المبتدأ والخبر.
__________________
(١) في الأصل : في غيرها.
(٢) في الأصل : لا تعرفه.
(٣) في الأصل : لا يتوهم.