وغني عن البيان
أنه لن يصل الى تلك المنزلة إلا من أتاه الله فطرة سليمة ، ورأيا حصيفا ، وفكرا
ثاقبا ، وبرهانا ساطعا ، وقلما أطوع له من بنانه حتى يتاح له بواضح البرهان ،
وبديع البيان ، أن يوضح خصائص التراكيب ولطائف الأساليب التي هي من أسرار التنزيل
، وبذا أبان في عرض كلامه كثيرا من قواعد هذه الفنون التي اتخذها من جاء بعد ،
دستورا للكلام في كثير من مسائلها.
٥ ـ أبو يعقوب يوسف السكاكي
جاء بعد من
تقدم ذكرهم العلامة أبو يعقوب ، يوسف السكاكي ، المتوفى سنة ٦٢٦ ه وألف كتابه «مفتاح
العلوم» وجمع في القسم الثالث منه زبدة ما كتبه الأئمة قبله في هذه الفنون ، ونظم
لآلئها المتفرقة في تضاعيف كتبهم ، وأحاط بكثير من قواعدها المبعثرة في الأمهات ،
ورتبها أحسن ترتيب ، وبوبها خير تبويب ، وفصل فنون البيان الثلاثة بعضها من بعض ،
لما كان له من واسع الاطلاع على علوم المنطق والفلسفة.
ولو لا أن
المؤلف أولع بتطبيق أساليب العرب على علوم اليونان واصطلاحاتهم مع ما بينهما من
بعد الدار ، وشط المزار واختلاف البيئات وتباين المعتقدات ، لكان خير كتاب أخرج
للناس في هذه الفنون ، لجمعه شتاتها ، وضمه ما تفرق من قواعدها.
وقد اختصر مؤلفه
في كتاب آخر سماه «التبيان» ، ولخصه بعض المتأخرين في أمهات مشهورة ، كما فعل ابن
مالك في كتابه «المصباح» والخطيب جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني المتوفى
سنة ٧٣٩ ه في كتابيه «تلخيص المفتاح» و «شرح الإيضاح» والأخير مؤلف جليل ، جمع
فيه مؤلفه خلاصة «المفتاح» و «دلائل الإعجاز» و «أسرار البلاغة» و «سر الفصاحة»
لابن سنان الخفاجي.
٦ ـ الوزير ضياء الدين ابن الأثير
بينما السكاكي
يؤلف كتابه «مفتاح العلوم» اذا بالوزير ضياء الدين أبي الفتح نصر بن محمد الموصلي
الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري المتوفى سنة ٦٣٧ ه