الباب الخامس في التقديم
وفيه أربعة مباحث
المبحث الأول في مزايا التقديم وأقسامه
الألفاظ قوالب المعاني ، فيجب أن يكون ترتيبها الوضعي بحسب ترتيبها الطبعي ، ومن البين أن رتبة المسند اليه التقديم لأنه المحكوم عليه ، ورتبة المسند التأخير ، إذ هو المحكوم به ، وما عداهما فتوابع ومتعلقات تأتي تالية لهما في الرتبة.
ولكن قد يعرض لبعض الكلم من المزايا ما يدعو الى تقديمه ، وإن كان حقه التأخير ، فيكون من الحسن تغيير هذا النظام ليكون المقدم مشيرا الى الغرض الذي يراد ، ومترجما عما يقصد منه. ومن ثم قال في «دلائل الإعجاز» : إن هذا التقديم كثير الفوائد ، جم المحاسن ، لا يزال يفترّ لك عن بديعة ، ويفضي بك الى لطيفة ، ولا تزال ترى شعرا يروقك سجعه ، ويلطف لديك موقعه ، ثم تنظر فتجد سبب ان راقك ولطف عندك ، ان قدم فيه شيء وحول اللفظ من مكان الى مكان. اه.
وللتقدم أحوال أربع :
١ ـ ما يفيد زيادة في المعنى مع تحسين في اللفظ ، وذلك هو الغاية القصوى ، وإليه المرجع في فنون البلاغة ، والعمدة في هذا هو الكتاب الكريم انظر قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)(١) تجد أن تقديم الجار والمجرور في هذا قد أفاد التخصيص ، وأن النظر لا يكون إلا لله ، مع جودة الصياغة وتناسق السجع.
__________________
(١) سورة القيامة الآية ٢٢.