ويصعد حتى يظن الجهول |
|
بأن له حاجة في السما |
فلو لا أنه قصد تناسي التشبيه وعقد العزيمة على جحده ولم يأل جهدا في إنكاره فجعله صاعدا في السماء حيث المسافة المكانية ، لما كان لهذا الكلام وجه.
ونحوه قول بشار :
أتتني الشمس زائرة |
|
ولم تك تبرح الفلكا |
وقول المتنبي :
كبرت حول ديارهم لما بدت |
|
منها الشموس وليس فيها المشرق |
ولم أر قبلي من مشى البدر نحوه |
|
ولا رجلا قامت تعانقه الأسد |
ومن هذا ما سبق من التعجب والنهي عنه ، وإذا جاز البناء على المشبه به مع الاعتراف بالمشبه (١) في نحو قول العباس بن الأحنف :
هي الشمس مسكنها في السماء |
|
فعزّ الفؤاد عزاء جميلا |
فلن تستطيع اليها الصعود |
|
ولن تستطيع اليك النزولا |
فلأن يجوز مع جحده وإنكاره في الاستعارة أولى.
(ثالثها) : المطلقة أبلغ من المجردة ، لأن التجريد يذكر بالتشبيه ، فيضعف دعوى الاتحاد.
المبحث السابع عشر في حسن الاستعارة وقبحها
لا تحسن الاستعارة ولا تقع الموقع الملائم إلا إذا حازت الشروط الآتية :
١ ـ رعاية حسن التشبيه (٢) ، إذ هو أساسها الذي تبني عليه ، خلا أنه مما يستملح هنا قوة الشبه بين الطرفين بعكس باب التشبيه ، ومن ثمة تحسن الاستعارة فيما يقوي فيه الشبه بينهما بحيث يصير الفرع كأنه الأصل ، ولا يحسن التشبيه ، ألا ترى أن الرجل يقول إذا فهم مسئلة : حصل في قلبي نور ، ولا يقول : كأن العلم الذي حصل في قلبي نور ، ويقول لمن أوقعه في شبهة : أوقعتني في ظلمة ، ولا يقول : كأن الشبهة التي أوقعتني فيها ظلمة.
__________________
(١) فان قوله هي الشمس تشبيه ، وفيه اعتراف بالمشبه ، ومع ذلك بني الكلام على المشبه به أعني الشمس.
(٢) قال الجرجاني : ملاك الاستعارة قرب التشبيه ومناسبة المستعار للمستعار له وامتزاج اللفظ بالمعنى حتى لا يوجد بينهما منافرة ، ولا يتبين في أحدهما إعراض عن الآخر.