وبتلك الصفة يتمكن من صياغة ضروب الكلام ، من مديح وهجاء وتهان ومراث ، وخطب محبرة ، ورسائل منمقة في الوعظ والإرشاد ، والمفاخرات والمنافرات.
ولن يبلغ شاعر أو ناثر هذه المنزلة إلا اذا كان ملما باللغة كثير الاطلاع على كتب الأدب ، محيطا بأسرار أساليب العرب ، حافظا لعيون كلامهم من شعر جيد ونثر مختار ، عالما بأحوال الشعراء والخطباء ، ومجالس الملوك والأمراء ، محيطا بعدات العرب وأخبار أيامهم.
البلاغة
تقع البلاغة وصفا للكلام ، والمتكلم ، ولم يسمع وصف الكلمة بها.
بلاغة الكلام
بلاغة الكلام مطابقته لمقتضى الحال التي يورد فيها مع فصاحته (١).
ولن يطابق الحال إلا إذا كان وفق عقول المخاطبين واعتبار طبقاتهم في البيان وقوة المنطق ، فللسوقة كلام لا يصح غيره في موضعه والغرض الذي يبني له ، ولسراة القوم والأمراء فن آخر لا يسد مسداه سواه ، ولقد أفصح عن ذلك الحطيئة حين خاطب عمر بن الخطاب فقال :
تحنن على هداك المليك |
|
فإن لكل مقام مقالا |
قال صاحب الصناعتين : وربما غلب سوء الرأي وقلة العقل على بعض علماء العربية ، فيخاطبون السوقي والمملوك والأعجمي بألفاظ أهل نجد ، والسراة كأبي علقمة إذ قال لطبيب : «أجد رسيسا في أسناخي وأرى رجعا فيما بين الوابلة الى الأطرة من دأيات العنق» (٢) فقال له الطبيب (متهكما) : هل من وجع القرشي؟ قال له : وما يبعدنا منهم يا عدي نفسه ، نحن من أرومة واحدة ونجل واحد. قال الطبيب : كذبت ، وكلما خرج هذا الكلام من جوفك كان أهون لك. قال : بل لك الهوان والخسارة والسباب.
__________________
(١) فاذا قلت : فلان مستعدد للامر ، لم يكن بليغا.
(٢) الرسيس ابتداء الحمى اذا فتر الجسم ، والاسناخ منابت الأسنان ، والوابلة طرف الكتف والأطرة كل ما أحاط بشيء ، ودأيات العنق نقارها.