تلا هذين
العالمين أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري المتوفى سنة ٣٩٥ ه وألف كتابه «الصناعتين»
صناعتي النثر والنظم ، جمع فيه خمسة وثلاثين نوعا من البديع ، وبحث فيه عن عدة
مسائل أخرى كالفصاحة والبلاغة والإيجاز والإطناب والحشو والتطويل وعدة أبواب في
نقد الشعر ، الى غير ذلك من جليل المباحث.
وكتابه يعتبر
أول مصنف أشير فيه الى مسائل علوم البيان الثلاثة (المعاني والبيان والبديع).
٣ ـ رقي هذه العلوم بتأليف الامام عبد القاهر
تمخض القرن
الخامس فولد نادرة البطن ، ونابغة البلغاء ، وإمام حلبة الفصحاء أبا بكر عبد
القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني المتوفى سنة ٤٧١ ه الذي نظر يمنة ويسرة فلم يجد من
مسائل هذه الفنون إلا نتفا مبعثرة لا تسمن ولا تغني من جوع فشمر عن ساعد الجد ،
وجمع متفرقاتها ، وأقام بناءها على أسس متينة ، وركز دعائمها على أرض جدد لا تنهار
، وأملى من القواعد ما شاء الله أن يملي في كتابيه «أسرار البلاغة» و «دلائل
الإعجاز» وأحكم بنيانها بضرب الأمثلة والشواهد ، حتى أناف بها على اليفاع ، وقرن
فيهما بين العلم والعمل ، اذ رأى أن مسائل الفنون لا يستقر لها قرار إلا بكثرة
الأمثلة والنماذج ، فالصور الإجمالية التي تؤخذ من القواعد ، إن لم تؤيدها الصور
التفصيلية التي تستفاد من النماذج ، لا تتمثل في الأذهان حق التمثل ، ولا تنجلي
حقيقتها تمام الإنجلاء.
وقد ساعده على
ذلك ما آتاه الله من عذوبة البيان ، وما تجلى به قلمه من الطلاوة الخلابة ،
والبلاغة الساحرة للألباب.
٤ ـ الامام جار الله الزمخشري
نبغ إثر عبد
القاهر أستاذ المفسرين ، جار الله الزمخشري المتوفى سنة ٥٣٨ ه وألف تفسيره «الكشاف»
نحا فيه نحو الغرض المقصود من تفسير التنزيل ، وهو إظهار أسراره ، وشرح وجه إعجازه
، ببيان وفاء دلالته على المراد ، وكشف خصائصه ومزاياه التي استأثر بها ، حتى بلغ
هذه المرتبة ، وحتى تحدى البشر بأنهم لن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.