فدخل إليه ، فأصلح وجهه ، وحلق رأسه ، وحجمه ، والشبلي بباب الدكان ، فلما فرغ وجاء الرجل ليخرج قال الشبلي للحجام : خذ هذه الصرة أجرة خدمتك لهذا الرجل ، فقال الحجام : إنما فعلت ذلك من أجل الله ، فقال له : إن فيها أربعين دينارا! فقال الحجام : ما أنا بالذي أحل عقدا عقدته بيني وبين الله بأربعين دينارا. فلطم الشبلي وجهه وقال : كلّ أحد خير من الشبلي حتى الحجّام.
[قال الخطيب](١) : [أخبرني أبو الفضل عبد الرّحمن بن أحمد بن الحسن الرازي بنيسابور ، أخبرنا](٢) علي (٣) بن جعفر السّيرواني :
دخلت أنا وفقير على الشبلي ، فسلمنا عليه ، فقال : إلى أين تريدان؟ فقلنا : البادية ، فقال : على أي حكم؟ فقال صاحبي : على حكم الفقراء ، فقال : احذروا ألا تسبقكم همومكم ، ولا تتأخر!.
قال أبو الحسن السّيرواني (٤) : فجمع لنا العلم كلّه في هذه الكلمة.
قال أبو حاتم الطبري (٥) : سمعت أبا بكر الشبلي يقول في وصيته :
وإن أردت أن تنظر إلى الدنيا بحذافيرها فانظر إلى مزبلة ، فهي الدنيا ، فإذا (٦) أردت أن تنظر إلى نفسك فخذ كفّا من تراب ، فإنّك منها (٧) خلقت ، وفيها (٨) تعود ، ومنها تخرج. ومتى أردت أن تنظر ما أنت؟ فانظر ما يخرج منك في دخولك الخلاء ، فمن كان حاله كذلك لا يجوز أن يتطاول ويتكبّر (٩) على من هو مثله.
قال أبو طالب العلوي :
كنت مع الشبلي بباب الطاق ، فجاء رجل راكب ، وبين يديه غلام ، فقال رجل لرجل :
__________________
(١) الخبر رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٩٢.
(٢) ما بين معكوفتين زيادة للإيضاح عن تاريخ بغداد.
(٣) في مختصر أبي شامة : «أحمد» والمثبت عن تاريخ بغداد.
(٤) هذه النسبة بكسر السين المهملة وسكون الياء وفتح الراء نسبة إلى السيروان (الأنساب : واللباب).
(٥) الخبر من طريقه رواه ابن الجوزي في صفة الصفوة ٢ / ٤٥٩.
(٦) في صفة الصفوة : وإذا.
(٧) في صفة الصفوة : منه.
(٨) في صفة الصفوة : وفيه تعود ، ومنه تخرج.
(٩) في صفة الصفوة : أو يتكبر.