من هذا؟ قال : صقعان الأمير ومسخرته ، فغدا الشبلي ، فقبل فخذه ، فرمى الرجل نفسه من الفرس فقال : يا سيدي ، أحسبك ما عرفتني! قال : بلى قد عرفتك ، أنت تأكل الدنيا بما تساويه ، اركب ، فأنت خير ممن يأكل الدنيا بالدين.
قال أبو بكر الرازي (١) : سمعت الشبلي يقول :
ما أحوج الناس إلى سكرة [فقيل : أي سكرة؟ فقال : سكرة](٢) تغنيهم عن ملاحظات أنفسهم ، وأفعالهم ، وأحوالهم (٣) ، والأكوان وما فيها. وأنشد :
وتحسبني حيّا وإنّي لميّت |
|
وبعضي من الهجران يبكي على (٤) بعضي |
وسئل عن متابعة الإسلام ، فقال : أن تموت عنك نفسك.
وقال : ليس في الوقت مرح ، الوقت جدّ كله.
وقال : من فني عن نفسه وقام الحق بتوليه لا ينكر له تقليب الأعيان ، واتخاذ المفقود.
وقال : احذر أماكن الاتصال ، فإنها خدع كلها ، وقف بحيث وقف العوام تسلم.
وقال : لا أشك إلّا أني قد وصلت ، ولا أشك إلّا أنّ الوصل دوني ، ولكن أبكي. ثم أنشأ يقول :
فيبكي إن نأوا شوقا إليهم |
|
ويبكي إن دنوا خوف الفراق |
فتسخن (٥) عينه عند التنائي (٦) |
|
وتسخن عينه عند التلاقي |
وسئل الشبلي : ما الحيلة؟ قال : ترك الحيلة ، لأن الحيلة إما رشوة ، أو قرار ، وهما بعيدان عن طرق الحقيقة ، فاطلب الدواء من حيث جاء الداء ، فلا يقدر على شفائك إلّا من أعلك وأنشد (٧) :
__________________
(١) الخبر والشعر في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٩٤ من هذا الطريق. ورواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ١٠ / ٣٧٢.
(٢) ما بين معكوفتين زيادة عن تاريخ بغداد وحلية الأولياء.
(٣) في مختصر ابن منظور : تفنيهم.
(٤) في مختصر أبي شامة : إلى. والمثبت عن حلية الأولياء وتاريخ بغداد.
(٥) تسخن عينه : سخنة العين نقيض قرتها ، وقد سخنت سخنا وسخونا وسخنة فهو سخين العين ، وأسخن الله عينه أي أبكاه نقيض أقر عينه (تاج العروس).
(٦) تناءوا : تباعدوا ، ومصدره التنائي (تاج العروس : نأى).
(٧) البيتان في وفيات الأعيان ٢ / ٢٧٤.