تناجى أبو ذرّ وعثمان حتى ارتفعت أصواتهما ، ثم انصرف أبو ذرّ متبسما (١) ، فقال الناس : ما لك ولأمير المؤمنين؟ قال : سامع مطيع ، ولو أمرني أن آتي صنعاء أو عدن ثم استطعت أن أفعل لفعلت. وأمره عثمان أن يخرج إلى الرّبذة.
وفي رواية (٢) : لو أن عثمان أمرني أن أمشي على رأسي لمشيت ، وفي رواية : لو أمرني ألا أجلس ما جلست ما حملتني رجلاي ولو كنت على بعير ـ يعني موثقا ـ ما أطلقت نفسي حتى يكون هذا الذي يطلقني.
وقال (٣) : قال أبو ذرّ لعثمان : أمير المؤمنين ، افتح الباب ، لا تحسبني من قوم يمرقون كما يمرق السهم من الرمية ـ يعني الخوارج ـ.
وفي رواية : لما قدم أبو ذرّ على عثمان من الشام قال : يا أمير المؤمنين ، أتحسب أنّي من قوم ـ والله ما أنا منهم ، ولا أدركتهم ـ يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيّهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرّمية ، ولا يرجعون إليه حتى يرجع السهم على فوقه ، سيماهم التّحليق. والله لو أمرتني أن أقوم ما قعدت ما ملكتني رجلاي ولو أوثقتني بعرقوتيّ قتب ما حللته حتى تكون أنت الذي تحلّني.
وقال ابن سعد (٤) : أخبرنا يزيد بن هارون ، أخبرنا العوام بن حوشب ، حدّثني رجل من أصحاب الآجر ، عن شيخين من بني ثعلبة : رجل وامرأته قالا :
نزلنا الرّبذة ، فمر بنا شيخ أشعث أبيض الرأس واللحية ، فقالوا : هذا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فاستأذنّاه أن نغسل رأسه ، فأذن لنا ، واستأنس بنا ، فبينا نحن كذلك إذ أتاه نفر من أهل العراق ، حسبته قال : من أهل الكوفة ، فقالوا : يا أبا ذرّ ، فعل بك هذا الرجل وفعل ، فهل أنت ناصب له راية ، فنكملك (٥) برجال ما شئت؟ فقال : يا أهل الإسلام ، لا تعرضوا عليّ ذاكم ، ولا تذلّوا السلطان ؛ فإنّه من أذلّ السلطان فلا توبة له ، والله لو أنّ عثمان صلبني على أطول خشبة وأطول جبل لسمعت ، وأطعت ، وصبرت ، واحتسبت ، ورأيت أنّ
__________________
(١) في مختصر ابن منظور : مبتسما.
(٢) سير الأعلام ٢ / ٧١.
(٣) راوي الخبر عبد الله بن الصامت ، وهو في سير الأعلام ٢ / ٧١.
(٤) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٤ / ٢٢٧ وسير أعلام النبلاء ٢ / ٧١ ـ ٧٢.
(٥) كذا في مختصر أبي شامة وعلى هامشه : «فنكلمك» وعند ابن سعد : فلنكمل.