كان أبو ذر يتألّه في الجاهلية ويقول : لا إله إلّا الله ، ولا يعبد الأصنام ، فمر عليه رجل من أهل مكة بعد ما أوحى الله إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا أبا ذر ، إن رجلا بمكة يقول مثل ما تقول لا إله إلّا الله ، ويزعم أنّه نبي. قال : ممن هو؟ قال : من قريش ، قال : فأخذ شيئا من بهش وهو المقل (١) ، فتزوده حتى قدم مكة ، فرأى أبا بكر يضيف الناس ، ويطعمهم الزبيب ، فجلس معهم فأكل ، ثم سأل من الغد : هل أنكرتم على أحد من أهل مكة شيئا؟ فقال رجل من بني هاشم : نعم ، ابن عمّ [لي](٢) يقول : لا إله إلّا الله ، ويزعم أنّه نبي. قال : دلّني عليه ، [قال] فدلّه عليه ، والنبي صلىاللهعليهوسلم راقد على دكان قد سدل ثوبه على وجهه ، فنبهه أبو ذرّ ، فانتبه ، فقال : أنعم صباحا ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «عليك السّلام» قال له أبو ذر : أنشدني ما تقول. فقال : «ما أقول الشعر ، ولكنه القرآن ، وما أنا قلته ، ولكن الله قاله» قال : اقرأه عليّ ، فقرأ عليه سورة ، فقال أبو ذرّ : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمّدا رسول الله ، فسأله النبي : «ممن أنت؟» فقال : من بني غفار ، فعجب النبي صلىاللهعليهوسلم لأنهم يقطعون الطريق ، فجعل [النبي صلىاللهعليهوسلم] يرفع بصره فيه ويصوّبه تعجبا من ذلك لما كان يعلم منهم ثم قال : «إن الله يهدي من يشاء» فجاء أبو بكر وهو عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبره بإسلامه ، فقال له أبو بكر : ألست ضيفي بالأمس؟ فقال : بلى ، قال : فانطلق معي ، فذهب مع أبي بكر إلى بيته ، فكساه ثوبين ممشقين ، فأقام أياما ثم رأى امرأة تطوف بالبيت ، فذكر نحوا مما تقدم [١٣٣٤١].
قال عكرمة (٣) : حدّثنا أبو زميل ، عن مالك بن مرثد عن أبيه عن أبي ذرّ قال :
كنت رابع الإسلام ، أسلم قبلي ثلاثة ، وأنا الرابع ، فأتيت النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقلت : سلام عليك يا نبي الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، فرأيت الاستبشار في وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : «من أنت؟» قلت : أنا جندب رجل من بني غفار ، قال : فرأيتها في وجه النبي صلىاللهعليهوسلم ، حيث ارتدع ، كأنه ودّ أني كنت من قبيلة أرفع من قبيلتي. قال : وكنت من قبيلة فيها رقّة ، كانوا يسرقون الحاج بمحاجن لهم [١٣٣٤٢].
قال جبير بن نفير (٤) :
__________________
(١) في أبي شامة : شيئا من المقل ، والمثبت عن ابن سعد.
(٢) زيادة عن ابن سعد.
(٣) من طريق عكرمة بن عمار رواه الذهبي في سير الأعلام (٣ / ٣٨٤) ط دار الفكر والمعجم الكبير للطبراني ٢ / ١٤٧ رقم ١٦١٧.
(٤) رواه الذهبي في سير الأعلام (٣ / ٣٨٤) ط دار الفكر