ما كنت إذ ذاك إلّا قد قتلت ، فما بطأك عنا؟ ما صنعت؟ ألقيت صاحبك الذي طلبت ، قلت : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمّدا رسول الله. ثم ذكر إسلام أخيه وأمّه وناس كثير من قومه.
وقال ابن [سعد](١) أخبرنا محمّد بن عمر ، حدّثني أبو بكر عبد الله بن أبي سبرة عن يحيى بن شبل ، عن خفاف بن إيماء بن رحضة قال (٢) :
كان أبو ذرّ رجلا يصيب الطريق ، وكان شجاعا يتفرد وحده بقطع (٣) الطريق ، ويغير على الصّرم (٤) في عماية الصبح على ظهر فرسه ، أو على قدميه كأنه السبع ، فيطرق الحي ، ويأخذ ما أخذ. ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام ، وسمع بالنبي (٥) صلىاللهعليهوسلم وهو يومئذ بمكة يدعو مختفيا ، فأقبل يسأل عنه ، حتى أتاه في منزله ـ وقبل ذلك ما قد طلب من يوصله إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلم يجد أحدا ـ فانتهى إلى الباب ، فاستأذن ، فدخل ، وعنده أبو بكر ، وقد أسلم قبل ذلك بيوم أو يومين ، وهو يقول : يا رسول الله ، والله لا نستسر بالإسلام ، ولنظهرنّه ، فلا يرد عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم شيئا ، فقلت : يا محمّد ، إلام تدعو (٦)؟ قال : «إلى الله وحده لا شريك له ، وخلع الأوثان ، وتشهد أني رسول الله». قلت : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّك رسول الله. ثم قال أبو ذرّ : يا رسول الله ، إنّي منصرف إلى أهلي ، وناظر متى يؤمر بالقتال فألحق بك ، فإنّي أرى قومك عليك جميعا. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أصبت ، فانصرف». فكان يكون بأسفل ثنية غزال ، فكان يعترض لعيرات قريش ، فيقتطعها ، فيقول : لا أرد إليكم منها شيئا حتى تشهدوا (٧) أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا رسول الله ، فإن فعلوا ردّ عليهم ما أخذ منهم ، وإن أبوا لم يرد عليهم شيئا. فكان على ذلك حتى هاجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومضى بدر وأحد ، ثم قدم ، فأقام بالمدينة مع النبي صلىاللهعليهوسلم [١٣٣٤٠].
[قال ابن سعد :](٨) أخبرنا محمّد بن عمر ، حدّثني نجيح أبو معشر قال :
__________________
(١) سقطت من مختصر أبي شامة.
(٢) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٤ / ٢٢٢.
(٣) ابن سعد : يقطع.
(٤) الصرم : الجماعة ينزلون بإبلهم ناحية على الماء.
(٥) في مختصر أبي شامة : «رسول الله» وفوقها ضبة ، واستدرك على هامشه : «بالنبي» وهو يوافق رواية ابن سعد.
(٦) في مختصر أبي شامة : «ما تدعو» والمثبت عن ابن سعد.
(٧) كتب على هامش أبي شامة : «تقولوا» ثم شطبت وكتب فوقها «تشهدوا» وهو ما أثبت وهو يوافق عبارة ابن سعد.
(٨) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٤ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣.