من الغد لمثلها ، وثاروا إليه فضربوه (١) ، فأكب عليه العباس فأنقذه.
وقال أبو قتيبة سلم بن قتيبة : حدّثنا المثنّى بن سعيد القصير ، حدّثني أبو جمرة قال : قال ابن عباس :
ألا أخبركم بإسلام أبي ذرّ؟ قلنا : بلى ، قال : قال : كنت رجلا من غفار ، فبلغنا أنّ رجلا قد خرج بمكة يزعم أنّه نبي ، فقلت لأخي : انطلق إلى هذا الرجل فكلّمه ، وائتني بخبره. فانطلق ، فلقيه ثم رجع ، فقلت : ما عندك؟ قال : والله لقد رأيته رجلا يأمر بالخير ، وينهى عن الشرّ ، فقلت : لم تشفني من الخبر. فأخذت جرابا وعصا ثم أقبلت إلى مكة ، فجعلت لا أعرفه ، وأكره أن أسأل عنه ، وأشرب من ماء زمزم ، وأكون في المسجد. فمر عليّ فقال : كأنّ الرجل غريب؟ قلت : نعم ، قال : فانطلق إلى المنزل ، فانطلقت معه ، لا يسألني عن شيء ، ولا أخبره. فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه ، وليس أحد يخبرني عنه بشيء ، فمرّ بي عليّ فقال : ما آن للرجل أن يعود؟ قلت : لا ، قال : ما أمرك ، وما أقدمك هذه البلدة؟ قلت : إن كتمته عليّ أخبرتك ، قال : فإني أفعل. قلت : بلغنا أنه قد خرج رجل يزعم أنه نبي ، فأرسلت أخي ليكلمه (٢) ، فرجع ولم يشفني من الخبر ، فأردت أن ألقاه.
قال : أما إنك قد رشدت لأمرك ، هذا وجهي إليه فاتبعني ، فادخل حيث أدخل ، فإنّي إن رأيت أحدا أخافه عليك قمت إلى الحائط. وامض أنت. قال : فمضى ، ومضيت معه حتى دخل ، ودخلت معه على النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقلت : يا رسول الله ، اعرض عليّ الإسلام ، فعرضه عليّ ، فأسلمت مكاني ، فقال لي : «يا أبا ذرّ ، أكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك ، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل». قلت : والذي بعثك بالحقّ لأصرخنّ ما بين أظهركم. فجاء إلى المسجد وقريش فيه ، فقال : يا معشر قريش ، إنّي أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، فقالوا : قوموا إلى هذا الصابئ ، فقاموا ، فضربت لأموت ، وأدركني العباس ، فأكبّ عليّ ثم قال : ويحكم! تقتلون رجلا من غفار ، ومتجركم ، وممرّكم على غفار؟ فأقلعوا عني ، فلما أصبحت الغد رجعت ، فقلت ما قلت بالأمس ، فقالوا : قوموا إلى هذا الصابئ. فضربوني ، وأدركني العباس ، فأكبّ عليّ.
قال : فكان هذا أوّل إسلام أبي ذر.
__________________
(١) في مختصر أبي شامة : يضربوه ، والمثبت عن مسلم.
(٢) في مختصر أبي شامة : «ليطهر» والمثبت عن البخاري.