جمرة (١) ، عن ابن عباس قال :
لمّا بلغ أبا ذرّ مبعث النبيّ صلىاللهعليهوسلم بمكة قال لأخيه : اركب إلى هذا الوادي ، فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنّه يأتيه الخبر من السماء ، واسمع من قوله ، ثم ائتني.
فانطلق الأخ (٢) حتى قدم مكّة ، وسمع من قوله ، ثم رجع إلى أبي ذرّ فقال : رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ، وكلاما ما هو بالشعر. فقال : ما شفيتني فيما أردت. فتزوّد وحمل شنّة (٣) له ، فيها ماء حتى قدم مكّة ، فأتى المسجد ، فالتمس النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو لا يعرفه ، وكره أن يسأل عنه ، حتّى أدركه ـ يعني الليل ـ فاضطجع ، فرآه عليّ ، فعرف أنّه غريب ، فلمّا رآه تبعه ، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح ، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد ، فظلّ ذلك اليوم ولا يرى النبيّ صلىاللهعليهوسلم حتّى أمسى ، فعاد إلى مضجعه ، فمرّ به عليّ ، فقال : أما أنى للرجل أن يعلم منزله!؟ فأقامه ، فذهب به معه ، ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء ، حتى إذا كان يوم الثالثة (٤) فعل مثل ذلك ، فأقامه عليّ معه ، ثم قال : ألا تحدّثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال : إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدنّي فعلت. ففعل ، فأخبره ، فقال : إنه حقّ ، وهو رسول الله ، فإذا أصبحت فاتبعني ، فإنّي إنّ رأيت شيئا أخاف عليك منه قمت كأني أريق الماء. فإن مضيت فاتّبعني حتى تدخل مدخلي. ففعل. فانطلق يقفوه حتى دخل على النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ودخل معه ، فسمع من قوله ، وأسلم مكانه ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري» ، فقال : والذي نفسي بيده لأصرخنّ بها بين ظهرانيهم.
فخرج حتى أتى المسجد ، فنادى بأعلى صوته : أشهد أنّ لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا رسول الله. وثار القوم فضربوه (٥) حتى أضجعوه ، وأتى العباس فأكبّ عليه ، فقال : ويلكم! ألستم (٦) تعلمون أنه من غفار ، وأنّ طريق تجاركم (٧) إلى الشام عليهم؟ فأنقذه منهم ، ثم عاد
__________________
(١) في مختصر أبي شامة : «حمزة» تصحيف ، والمثبت عن مصادر الخبر المتقدمة. وهو نصر بن عمران بن عصام الضبعي ، راجع ترجمته في تهذيب الكمال ١٩ / ٧٠.
(٢) كذا في أبي شامة وأسد الغابة ، وفي ابن سعد : «الرجل» وفي صحيح مسلم : الآخر.
(٣) الشنة : القربة البالية.
(٤) في ابن سعد وأسد الغابة : «اليوم الثالث» ، وفي صحيح مسلم : «يوم الثالث».
(٥) في مختصر أبي شامة : يضربوه ، والمثبت عن صحيح مسلم.
(٦) في مختصر أبي شامة : ألست ، والمثبت عن مسلم.
(٧) في مختصر ابن منظور : تجارتكم.