وقال سبحانه : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١).
غير أننا نلاحظ : أن أهل المدينة يخرجون لاستقبال الجيش العائد ، بقيادة خالد ، ثم يحثون التراب في وجه العائدين ، ويصيحون في وجوههم : يا فرار ، فررتم في سبيل الله .. ورسول الله «صلىاللهعليهوآله» حاضر وناظر ، لا يلوم أحدا على فعله ، ولا يظهر تغيظا ، ولا يعاقب ، ولا يطالب .. مع أنه نصير كل مظلوم ، وإنما يكتفي بالتفوه بكلمات يسيرة على سبيل تطييب الخاطر ، والسعي لإعادة المعنويات المنهارة ..
بل إن هؤلاء العائدين بالفشل لا يجرؤون على شكوى أحد من الناس الذين يواجهونهم بالتأنيب واللوم إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، بل يكتفون بالاختباء في بيوتهم ، رغم أنهم لم يقترفوا ذنبا ، ولا ارتكبوا خطيئة ، لا عند الشرع ، ولا بنظر العرف.
كما أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» نفسه لا يسأل عن أحد منهم ، ولا يتساءل عن سبب غيبتهم عن جماعته ، وعن مجلسه ، وعن جميع المنتديات والمجالس.
ويتأكد مضمون هذا السؤال إذا لاحظنا أن المختبئين في البيوت هم أصحاب الشأن ، والأعيان منهم ، حسبما صرحت به الروايات ..
هل ظلم الفارون؟!
وإنما قلنا : أنهم لم يرتكبوا ذنبا بنظر الشرع ، لأن الفقهاء قد ذكروا : أنه
__________________
(١) الآية ١٢٨ من سورة التوبة.