ق ، فوضعت رحلي ، ثم غدوت إلى المسجد ، فاعتمدت إلى أعظم مجلس رأيته في المسجد وأكثر أهلا ، فجلست إليهم ، فبينا نحن على ذلك خرج رجل من عند عبد الملك بن مروان ، كأجسم (١) الرجال وأجمله وأحسنه هيئة ، فأقبل إلى المجلس الذي أنا فيه ، فتبحبحوا (٢) له حتى أوسعوا له ، فجلس ثم قال : لقد جاء أمير المؤمنين كتاب اليوم ما جاءه مثله منذ استخلفه الله ، قالوا : وما هو؟ قال : كتب إليه عامله بالمدينة هشام بن إسماعيل يذكر أن ابنا لمصعب ابن الزبير [من](٣) أمّ ولد مات ، فأرادت أمّه أن تأخذ ميراثها فمنعها عروة بن الزبير ، وزعم أن لا ميراث لها ، فتوهم أمير المؤمنين حديثا سمعه من سعيد بن المسيّب يذكر عن عمر بن الخطّاب في أمّهات الأولاد ، لا يحفظ أمير المؤمنين ذلك الحديث ، قال ابن شهاب : فقلت : أنا أحدثكه ، فقام إليّ قبيصة حتى أخذ بيدي ، ثم خرج بي معه حتى دخل بي الدار على عبد الملك ، ثم جاء البيت الذي فيه عبد الملك ، فقال : السّلام عليكم ، فقال عبد الملك مجيبا : وعليكم السلام ، فقال : أدخل ، [فقال : أدخل](٤) فدخل وهو آخذ بيدي ، فقال : هذا يا أمير المؤمنين يحدّثك الحديث الذي سمعت من سعيد بن المسيّب في أمّهات الأولاد ، فقال : إيه ، قال : قلت : سمعت سعيد بن المسيّب يذكر : أن عمر بن الخطّاب أمر بأمهات الأولاد أن يقوّمن في أموال أبنائهن بقيمة عدل ، ثم يعتقن ، فمكث بذلك صدرا من خلافته ، ثم توفي رجل (٥) من قريش كان له ابن أم ولد ، وكان عمر يعجب بذلك الغلام ، فمرّ ذلك الغلام على عمر في المسجد بعد وفاة أبيه بليال فقال له عمر : ما فعلت يا بن أخي في أمّك؟ قال : قد فعلت يا أمير المؤمنين خيرا ، خيّرني إخوتي في أن يسترقّوا أمّي أو يخرجوني من ميراثي من أبي ، فكان ميراثي من أبي أهون عليّ من أن تسترقّ أمّي ، فقال عمر : أولست إنّما أمرت في ذلك بقيمة عدل؟ ما أرى رأيا ، وآمر بشيء إلّا قلتم فيه ، ثم قام فيه ، فجلس على المنبر ، فاجتمع الناس حتى إذا رضي جماعتهم قال : يا أيّها الناس ، إنّي قد كنت أمرت في أمّهات الأولاد بأمر قد علمتموه ، ثم حدث لي رأي غير ذلك ، فأيّما امرئ كانت عنده أم ولد فملكها بيمينه ما عاش ، فإذا مات فهي حرّة لا سبيل (٦) عليها ، ثم قال : من أنت؟ قال : فقلت : أنا محمّد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهريّ ، قال : أمّا والله إن كان لك لأب نعّار في
__________________
(١) كذا بالأصل و «ز» ، وفي البداية والنهاية : «كأحسن» وفي المعرفة والتاريخ : كأحشم.
(٢) كذا بالأصل ، وفي «ز» : «فتنحنحوا» وفي المعرفة والتاريخ : فتحثحثوا.
(٣) زيادة عن «ز» ، والمعرفة والتاريخ.
(٤) زيادة لازمة عن «ز» ، والمعرفة والتاريخ.
(٥) تصحفت في «ز» إلى : رجلا.
(٦) في البداية والنهاية : لا سبيل له عليها.