قد كنت أمرت في أمّهات الأولاد بأمر قد علمتموه ، ثم حدث لي رأي غير ذلك فأيما امرئ كانت عنده أمّ ولد يملكها بيمينه ما عاش ، فإذا مات فهي حرّة لا سبيل لأحد عليها ، فقال عبد الملك : من أنت؟ قال : قلت : أنا محمّد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ، فقال : أمّا والله إن كان لك لأبا نعّارا (١) في الفتنة مؤذيا لنا فيها ، قال : فقلت : يا أمير المؤمنين قل كما قال العبد الصالح قال : أجل (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ)(٢) ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين افرض لي ، فإني منقطع ، قل كما قال العبد الصالح قال : أجل لا تثريب عليكم ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين افرض لي فإنّي منقطع من الديوان ، قال : إنّ بلدك لبلد ما فرضنا فيها لأحد منذ كان هذا الأمر ، ثم نظر إلى قبيصة وأنا وهو قائمان بين يديه ، فكأنه أومأ إليه أن افرض له ، فقال : قد فرض لك أمير المؤمنين ، قال : فقلت : وصلة يا أمير المؤمنين تصلنا بها ، فإنّي والله لقد خرجت من أهلي ، وإنّ فيهم لحاجة ما يعلمها إلّا الله ، ولقد عمّت الحاجة أهل البلد ، قال : قد وصلك أمير المؤمنين ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين وخادم يخدمنا ، فإنّي والله قد تركت أهلي وما لهم خادم إلّا أختي ، إنّها الآن تخبز لهم وتعجن لهم ، وتطحن لهم ، قال : وقد أخدمك أمير المؤمنين.
قال ابن شهاب : ثم كتب إلى هشام بن إسماعيل مع ما قد عرف من حديثي أن : ابعث إلى ابن المسيّب فسله عن الحديث الذي سمعته يحدّث عن أمّهات الأولاد عن عمر بن الخطاب ، فكتب إليه هشام بمثل حديثي ما زاد حرفا ولا نقص حرفا.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأنا أبو بكر بن الطبري ، أنبأنا ابن الفضل ، أنبأنا عبد الله ، ثنا يعقوب (٣) ، حدّثني سعيد بن عفير ، حدّثني عطّاف بن خالد ، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة ، عن ابن شهاب أنه قال :
أصاب أهل المدينة حاجة زمان فتنة عبد الملك بن مروان ، فعمّت أهل البلد ، فقد خيّل إليّ أنه قد أصابنا من ذلك ـ أهل البيت ـ ما لم يصب أحد من أهل البلد لخبرتي (٤) بأهلي ، فتذكرت هل من أحد أمتّ إليه برحم أو مودّة أرجو إن خرجت إليه أن أصيب منه شيئا ، فما علمت أحدا أخرج إليه ، ثم قلت : إنّما الرزق بيد الله ، ثم خرجت حتى قدمت دمشق ،
__________________
(١) تحرفت في «ز» إلى : يغازي.
(٢) من الآية ٩٢ من سورة يوسف.
(٣) رواه يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ ١ / ٦٢٦ ـ ٦٢٩ وانظر البداية والنهاية ٩ / ٣٤٦.
(٤) عن المعرفة والتاريخ ، وبالأصل و «ز» : لخبري.