ابن شهاب قال (١) : أصاب أهل المدينة حاجة زمان فتنة عبد الملك بن مروان ، فعمّت أهل البلد ، فقد خيّل إليّ أنه قد أصابنا (٢) أهل البيت من ذلك ما لم يصب أحدا من أهل البلد ، وذلك لخبرتي بأهلي ، فتذكرت هل من أحد أخرج إليه ، ثم قلت : إنّ الرزق بيد الله ، ثم خرجت حتى قدمت دمشق ، فوضعت رحلي ، ثم غدوت إلى المسجد ، واعتمدت إلى أعظم مجلس رأيته في المسجد وأكثر أهلا ، فجلست إليهم (٣) ، فبينا نحن على ذلك إذ خرج رجل من عند عبد الملك بن مروان كأحسن الرجال وأجمله ، وأحسنه هيأة ، فأقبل إلى المجلس الذي أنا فيه ، فتحثحثوا له حتى أوسعوا له ، فجلس ، ثم قال : لقد جاء أمير المؤمنين اليوم كتاب ما جاءه مثله منذ استخلفه الله ، قالوا : وما هو؟ قال : كتب إليه عامله بالمدينة هشام بن إسماعيل يذكر أن ابنا لمصعب بن الزبير من أمّ ولد مات ، فأرادت أمّه أن تأخذ ميراثها منه ، فمنعها عروة بن الزبير ، وزعم أنه لا ميراث لها ، فتوهم أمير المؤمنين في ذلك حديثا سمعه من سعيد بن المسيّب يذكره عن عمر بن الخطّاب في أمّهات الأولاد ، لا يحفظ أمير المؤمنين ذلك الحديث ، قال ابن شهاب : فقلت : أنا أحدثكم ، فقام إليّ قبيصة بن ذؤيب حتى أخذ بيدي ثم خرج بي حتى دخل بي الدار على عبد الملك ، ثم جاء إلى البيت الذي فيه عبد الملك ، فقال : السّلام عليكم ، فقال له عبد الملك مجيبا : وعليكم السلام ، فقال له قبيصة : أندخل (٤)؟ فقال عبد الملك : ادخل ، فدخل قبيصة ، وهو آخذ بيدي ، فقال : هذا يا أمير المؤمنين يحدّثك الحديث الذي سمعت من سعيد بن المسيّب فذكر أن عمر بن الخطّاب أمر بأمّهات الأولاد أن يقمن في أموال أبنائهن بقيمة عدل ، ثم يعتقن ، فمكث بذلك صدرا من خلافته ، ثم توفي رجل من قريش كان له ابن من [أم](٥) ولد قد كان عمر يعجب بذلك الغلام ، فمرّ ذلك الغلام على عمر في المسجد بعد وفاة أبيه بليال ، فقال له عمر : ما فعلت يا ابن أخي في أمّك؟ قال : فعلت يا أمير المؤمنين خيرا ، خيرني بين أن يسترقوا أمّي أو يخرجوني من ميراثي من أبي ، فكان ميراثي من أبي أهون علي من أن تسترق أمّي ، فقال عمر : أولست إنما أمرت في ذلك بقيمة عدل (٦) ، ما أرى رأيا ولا آمر بأمر إلّا قلتم فيه ، ثم قام فجلس على المنبر ، فاجتمع الناس إليه حتى إذا رضي من جماعتهم قال : أيها الناس ، إني
__________________
(١) رواه مختصرا الذهبي في سير أعلام النبلاء ٥ / ٣٢٨.
(٢) بالأصل : أصابها ، والمثبت عن «ز» ، وسير الأعلام.
(٣) بالأصل : أهلا ، والمثبت عن «ز».
(٤) أقحم بعدها بالأصل : فقال : اتدخل.
(٥) زيادة عن «ز» ، للإيضاح.
(٦) أقحم بعدها بالأصل : ما أرى عدل.