لفعلهم مع أنبيائهم ، أي بغير الحق عندهم ، أي لم يدّعوا في قتلهم وجها يستحقون به القتل عندهم. وقيل : جاء ذلك على سبيل التأكيد كقوله : (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (١) ، إذ لا يقع قتل نبي إلا بغير الحق ، ولم يأت نبي قط بما يوجب قتله ، وإنما قتل منهم من قتل كراهة له وزيادة في منزلته. قال ابن عباس وغيره : لم يقتل نبي قط من الأنبياء إلا من لم يؤمر بقتال ، وكل من أمر بقتال نصر. قيل : وعرّف الحق هنا لأنه أشير به إلى المعهود في قوله عليهالسلام : «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث. وأما المنكر فالمراد به تأكيد العموم ، أي لم يكن هناك حق لا ما يعرفه المسلمون ولا غيره.
(ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) ، ذلك : رد على الأول وتكرير له ، فأشير به لما أشير بذلك الأول ، ويجوز أن تكون إشارة إلى الكفر والقتل المذكورين ، فلا يكون تكريرا ولا توكيدا ، ومعناه : أن الذي حملهم على جحود آيات الله وقتلهم الأنبياء إنما هو تقدم عصيانهم واعتدائهم ، فجسرهم هذا على ذلك ، إذ المعاصي بريد الكفر. (بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٢) ، (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) (٣) ، وقولهم (قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) (٤). وقد تقدّم تفسير العصيان والاعتداء لغة ، وقد فسر الاعتداء هنا أنه تجاوزهم ما حدّ الله لهم من الحق إلى الباطل. وقيل : التمادي على المخالفة وقتل الأنبياء. وقيل : العصيان بنقض العهد والاعتداء بكثرة قتل الأنبياء. وقيل : الاعتداء بسبب المخالفة والإقامة على ذلك الزمن الطويل أثر عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «اختلفت بنو إسرائيل بعد موسى بخمسائة سنة حين كثير فيهم أولاد السبايا ، واختلفوا بعد عيسى بمائة سنة». وقيل : هو الاعتداء في السبت ، قال تعالى : (وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) (٥). وما : في قوله (بِما عَصَوْا) مصدرية ، أي ذلك بعصيانهم ، ولم يعطف الاعتداء على العصيان لئلا يفوت تناسب مقاطع الآي ، وليدل على أن الاعتداء صار كالشيء الصادر منهم دائما. ولما ذكر تعالى حلول العقوبة بهم من ضرب الذلة والمسكنة والمباءة بالغضب ، بين علة ذلك ، فبدأ بأعظم الأسباب في ذلك ، وهو كفرهم بآيات الله. ثم ثنى بما يتلو ذلك في العظم وهو قتل الأنبياء ، ثم أعقب ذلك بما يكون من المعاصي ، وما يتعدى من الظلم. قال معنى هذا صاحب المنتخب ، ويظهر أن قوله ذلك
__________________
(١) سورة الحج : ٢٢ / ٤٦.
(٢) سورة المطففين : ٨٣ / ١٤.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٨٨.
(٤) سورة النساء : ٤ / ١٥٥.
(٥) سورة النساء : ٤ / ١٥٤.