ويعقوب بالفتح في جميع القرآن ، وقرأ ابن محيصن باختلاف عنه بالرفع من غير تنوين وجه قراءة الجمهور مراعاة الرفع في (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ، فرفعوا للتعادل. قال ابن عطية : والرفع على إعمالها إعمال ليس ، ولا يتعين ما قاله ، بل الأولى أن يكون مرفوعا بالابتداء لوجهين : أحدهما : أن إعمال لا عمل ليس قليل جدا ، ويمكن النزاع في صحته ، وإن صح فيمكن النزاع في اقتياسه. والثاني : حصول التعادل بينهما ، إذ تكون لا قد دخلت في كلتا الجملتين على مبتدأ ولم تعمل فيهما. ووجه قراءة الزهري ومن وافقه أن ذلك نص في العموم ، فينفي كل فرد فرد من مدلول الخوف ، وأما الرفع فيجوزه وليس نصا ، فراعوا ما دل على العموم بالنص دون ما يدل عليه بالظاهر. وأما قراءة ابن محيصن فخرجها ابن عطية على أنه من إعمال لا عمل ليس ، وأنه حذف التنوين تخفيفا لكثرة الاستعمال. وقد ذكرنا ما في إعمال لا عمل ليس ، فالأولى أن يكون مبتدأ ، كما ذكرناه ، إذا كان مرفوعا منونا ، وحذف تنوينه كما قال لكثرة الاستعمال ، ويجوز أن يكون عري من التنوين لأنه على نية الألف واللام ، فيكون التقدير : فلا الخوف عليهم ، ويكون مثل ما حكى الأخفش عن العرب : سلام عليكم ، بغير تنوين. قالوا : يريدون السلام عليكم ، ويكون هذا التخريج أولى ، إذ يحصل التعادل في كون لا دخلت على المعرفة في كلتا الجملتين ، وإذا دخلت على المعارف لم تجر مجرى ليس ، وقد سمع من ذلك بيت للنابغة الجعدي ، وتأوله النحاة وهو :
وحلت سواد القلب لا أنا باغيا |
|
سواها ولا في حبها متراخيا |
وقد لحنوا أبا الطيب في قوله :
فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا
وكنى بقوله : (عَلَيْهِمْ) عن الاستيلاء والإحاطة ، ونزل المعنى منزلة الجرم ، ونفى كونه معتليا مستوليا عليهم. وفي ذلك إشارة لطيفة إلى أن الخوف لا ينتفي بالكلية ، ألا ترى إلى انصباب النفي على كينونة الخوف عليهم؟ ولا يلزم من كينونة استعلاء الخوف انتفاء الخوف في كل حال ، ولذلك قال بعض المفسرين : ليس في قوله : (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) دليل على نفي أهوال يوم القيامة وخوفها عن المطيعين لما وصفه الله تعالى ورسوله من شدائد القيامة ، إلا أنها مخففة عن المطيعين. فإذا صاروا إلى رحمته ، فكأنهم لم يخافوا ، وقدم عدم الخوف على عدم الحزن ، لأن انتفاء الخوف فيما هو آت آكد من انتفاء الحزن