(قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ) ؛ جواب فلما ، وقد تقدّم ذكر الخلاف في لما المقتضية للجواب ، أهي حرف أم ظرف؟ ورجحنا الأول وذكرنا أنه مذهب سيبويه. وألم : أقل تقرير ، لأن الهمزة إذا دخلت على النفي كان الكلام في كثير من المواضع تقريرا نحو قوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) (١)؟ (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (٢)؟ (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) (٣)؟ ولذلك جاز العطف على جملة إثباتية نحو : ووضعنا ، ولبثت ، ولكم فيه ، تنبيههم بالخطاب وهزهم لسماع المقول ، نحو قوله : (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) (٤) نبهه في الثانية بالخطاب. وقد تقدم أن اللام في نحو : قلت لك ، أو لزيد ، للتبليغ ، وهو أحد المعاني التي ذكرناها فيها. (إِنِّي أَعْلَمُ) : ياء المتكلم المتحرك ما قبلها ، إذا لقيت همزة القطع المفتوحة ، جاز فيها وجهان : التحريك والإسكان ، وقرىء بالوجهين في السبعة ، على اختلاف بينهم في بعض ذلك ، وتفصيل ذلك مذكور في كتب القراءات. وسكنوا في السبعة إجماعا : تفتني ألا ، (أَرِنِي أَنْظُرْ) (٥) ، (فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ) (٦) (وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ) (٧) ، ولا يظهر بشيء من اختلافهم واتفاقهم علة إلا اتباع الرواية. والخلاف الذي تقدم في أعلم من كونه منصوبا أو مجرورا جار هنا ، وقد تقدم إيضاحه هناك فلا نعيده هنا.
وقد حكى ابن عطية عن المهدوي ما نصه : قال المهدوي : ويجوز أن يكون قوله : أعلم اسما بمعنى التفضيل في العلم ، فتكون ما في موضع خفض بالإضافة. قال ابن عطية : وإذا قدر الأول اسما ، فلا بد بعده من إضمار فعل ينصب غيب ، تقديره : إني أعلم من كل أعلم غيب ، وكونها في الموضعين فعلا مضارعا أخصر وأبلغ. انتهى. وما نقله ابن عطية عن المهدوي وهم. والذي ذكر المهدوي في تفسيره ما نصه : (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) ، يجوز أن ينتصب ما بأعلم على أنه فعل ، ويجوز أن يكون بمعنى عالم ، أو يكون ما جرا بالإضافة ، ويجوز أن يقدر التنوين في أعلم إذا قدرته بمعنى عالم وتنصب ما به ، فيكون بمعنى حواج بيت الله ، انتهى. فأنت ترى أنه لم يذهب إلى أن أفعل للتفضيل وأنه لم يجز الجر في ما والنصب ، وتكون أفعل اسما إلا إذا كان بمعنى فاعل لا أفعل تفضيل ، ولا
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٧٢.
(٢) سورة الشرح : ٩٤ / ١.
(٣) سورة الشعراء : ٢٦ / ١٨.
(٤) سورة الكهف : ١٨ / ٧٥.
(٥) سورة الأعراف : ٧ / ١٤١.
(٦) سورة مريم : ١٩ / ٤٣.
(٧) سورة هود : ١١ / ٤٧.