طريق الآخرة ، ولكن لا ترضون بعيوبهم بالدنيا ثم تزحمونهم (١) على الدنيا ، ما ينبغي لعالم أن يرضى بهذا لنفسه.
أخبرنا أبو طاهر محمّد بن محمّد ، أنبأنا عبد الكريم بن عبد الرزّاق ، أنبأنا منصور بن الحسين ، أنبأنا أبو بكر بن المقرئ ، وأنبأنا أبو يعلى الموصلي قال : سمعت عبد الصمد بن يزيد قال : وقال الفضيل :
إنّما ينبغي للدنيا أن تتلاعب بالجاهل لا بالعالم ، وقالوا له : لو كلّمت هارون في أمر الرعية إنه يحبك ، قال : لست هناك ، فكرّر القول عليه ، فقال : لو كنت داخلا عليه يوما ما كلّمته إلّا في علماء السّوء ، أقول : يا أمير المؤمنين ، إنه لا بدّ للناس من راع ، ولا بدّ للراعي من عالم يشاوره ، ولا بدّ له من قاض ينظر في أحكام المسلمين ، وإذا كان لا بدّ من هذين الرجلين فلا يأتك عالم ولا قاض إلّا على حمار بإكاف خلفه أغبر ، فبالحرى أن يؤدّوا إلى الراعي والرعية النصيحة ، يا أمير المؤمنين متى تطمع العلماء والقضاة أن يؤدّوا إليك النصيحة ومركب أحدهم بكذا وكذا؟ فإذا حملتهم على حمر مركبة بأكف ، فبالحرى أن يؤدّوا إليك النصيحة.
قال : وسمعت الفضيل يقول :
لو تعلمون ما أعلم لم يهنكم طعام ولا شراب.
قال عبد الصمد : وسمعت رباحا الكوفي يقول :
مات بعض ولد العلماء بمكة فأتاه القداحي (٢) ومسلم بن خالد الزّنجي (٣) ، وسفيان بن عيينة ، وعبد المجيد بن عبد العزيز (٤) يعزّونه ، فلم يتعزّ فأتاه الفضيل فقال :
يا هذا ما ترى في رجل كان في سجن [هو](٥) وولده فأخرج ولده من السجن ، فأولى به أن يفرح أو يحزن؟ فقال الرجل : أولى به أن يفرح ، قال : كأنك كنت أنت وابنك في السجن ، فأخرج ابنك من السجن ، فقال : تعزّيت والله.
__________________
(١) بدون إعجام بالأصل ، والمثبت عن المختصر ، وفي الحلية : تزاحمونهم.
(٢) كذا بالأصل ، ولعله يريد سعيد بن سالم القداح ، أبو عثمان المكي القداح ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ٩ / ٣١٩ وتهذيب الكمال ٧ / ٢٠٣.
(٣) هو مسلم بن خالد ، أبو خالد المخزومي الزنجي المكي ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ٨ / ١٧٦.
(٤) هو عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، أبو عبد المجيد المكي ترجمته في سير أعلام النبلاء ٩ / ٤٣٤.
(٥) زيادة للإيضاح.