قال : وقال الفضيل : لا تنظر إليهم من طريق الغلظة عليهم ، ولكن انظر من طريق الرحمة ـ يعني ـ السلطان.
أخبرنا أبو طاهر محمّد بن محمّد بن عبد الله المؤذن ، أنبأنا عبد الكريم بن عبد الرّزاق الحسناباذي ، أنبأنا منصور بن الحسين الكاتب ، أنبأنا أبو بكر بن المقرئ ، أنبأنا أبو يعلى الموصلي قال (١) : سمعت عبد الصمد قال : سمعت فضيلا يقول :
لا تجعل الرجال أوصياءك ، كيف تلومهم أن يضيّعوا وصيتك؟ وأنت قد ضيّعتها في حياتك ، وأنت بعدها تصير إلى بيت الدود ، وبيت الوحشة ، وبيت الظلمة ، ويكون زائرك فيه منكر ونكير (٢) ، فقبرك روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار ، ثم بكى وقال : أعاذنا الله وإياكم من النار.
قال (٣) : وسمعت فضيلا يقول :
حسناتك من عدوك أكثر منها من صديقك ، قيل : وكيف ذاك يا أبا علي؟ قال : لأن صديقك إذا ذكرت بين يديه قال : عافاه الله ، وعدوك إذا ذكرت بين يديه يغتابك الليل والنهار ، وإنّما يدفع المسكين حسناته إليك ، فلا ترض حتى إذا ذكر بين يديك تقول : اللهم أهلكه ، لا بل ادع الله له : اللهمّ أصلحه ، اللهم راجع به ، فيكون الله يعطيك أجر ما دعوت له.
قال : وسمعت فضيلا يقول : آفة العلم النسيان ، وآفة القراء العجب والغيبة ، وأشدّ الناس عذابا يوم القيامة الساعي والنمّام ، واحذروا أبواب الملوك فإنّها تزيد النقم (٤) وتذهب بالنعم ، قلنا : يا أبا علي هذا الحديث الذي جاء : «إن عليها فتنا (٥) كمبارك (٦) الإبل؟» قال : لا ، ولكنه هو الرجل يكون عليه من الله نعمة ، لا يكون به إلى خلق من خلق الله حاجة ، فإذا دخل على هؤلاء ورأى ما قد بسط لهم استصغر ما هو فيه ، فمن ثمّ تذهب النعمة أو تزول النعمة.
قال : وسمعت فضيلا يقول : ليس الآمر الناهي الذي يدخل عليهم يأمرهم وينهاهم ثم
__________________
(١) من طريقه رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٨ / ٨٧.
(٢) كذا بالأصل والمختصر ، وفي الحلية : منكرا ونكيرا.
(٣) القائل : عبد الصّمد بن يزيد مردويه ، ومن طريقه روي الخبر في حلية الأولياء ٨ / ٩٧.
(٤) كذا بالأصل وفي المختصر : تزيل النعم.
(٥) بالأصل : فتن.
(٦) بالأصل : كبارك.