للمسلمين ما تحبّ لنفسك ، واكره لهم ما تكره لنفسك ثم مت إذا شئت ، ثم إنّي لأقول لك هذا وإنّي أخاف عليك أشدّ الخوف يوم القيامة ، يوم تزلّ فيه الأقدام ، فهل معك رحمك الله مثل هؤلاء من يأمرك بمثل هذا؟
قال : فبكى هارون بكاء شديدا حتى غشي عليه ، فقلت : ارفق بأمير (١) المؤمنين ، فقال : يا بن (٢) أم الربيع تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا! ثم أفاق فقال : رحمك الله زدني ، فقال : يا أمير المؤمنين ، بلغني أنّ عاملا لعمر بن عبد العزيز شكى إليه قال : فكتب إليه عمر : يا أخي اذكر طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد ، فإنّ ذلك يطرد بك إلى الربّ نائما ويقظانا (٣) ، وإيّاك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد ومنقطع الرجاء ، قال : فلمّا قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر بن عبد العزيز فقال له : ما أقدمك؟ قال : خلعت قلبي بكتابك ، لا وليت ولاية حتى ألقى الله.
قال : فبكى هارون بكاء شديدا ثم قال : زدني رحمك الله ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّ العباس عم المصطفى صلىاللهعليهوسلم جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا رسول الله أمّرني على إمارة فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يا عباس ، يا عمّ النبي نفس تحييها (٤) خير لك من إمارة لا تحصيها ، إنّ الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة ، فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل» [١٠٤٦٣].
قال : فبكى هارون بكاء شديدا ثم قال له : زدني رحمك الله ، فقال : يا حسن الوجه ، أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة ، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل ، وإيّاك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غشّ لرعيتك ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من أصبح لهم غاشّا لم يرح رائحة الجنّة» [١٠٤٦٤].
ثم ... (٥) فقالا جميعا قال : فبكى هارون بكاء شديدا حتى غشي عليه ثم قال : عليك دين؟ قال : نعم ، دين لربّي لم يحاسبني عليه ، فالويل لي إن ساءلني ، والويل لي إن ناقشني ، والويل لي إن لم ألهم حجّتي ، فقال : إنّما أعني من دين العباد؟ قال : فقال : إن ربي لم يأمرني بهذا ، أمرني أن أصدّق وعده ، وأن أطيع أمره ، فقال : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ
__________________
(١) بالأصل : «يا أمير» والتصويب عن الحلية والمصدرين.
(٢) كذا بالأصل والمختصر وتهذيب الكمال وسير الأعلام ، وفي الحلية : يا بن الربيع.
(٣) كذا بالأصل منونة.
(٤) في المختصر : تنجيها.
(٥) بياض بالأصل بمقدار كلمة.