فقال : خذ لما جئناك له رحمك الله ، فحادثه ساعة ثم قال : عليك دين؟ قال : نعم ، قال : يا عباسي (١) اقض دينه.
ثم انصرفنا فقال : ما أغنى عني صاحبك شيئا انظر لي رجلا ، فقلت : هاهنا الفضيل بن عياض ، فقال : امض بنا إليه ، فأتيناه ، فإذا هو قائم يصلّي يتلو آية يردّدها فقال لي : اقرع ، فقرعت ، فقال : من هذا؟ فقلت : أجب أمير المؤمنين ، فقال : ما لي ولأمير المؤمنين ، فقلت : سبحان الله ، أوما عليك طاعة ، أوليس قد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ليس للمؤمن أن يذلّ (٢) نفسه» [١٠٤٦٢].
قال : فنزل ففتح الباب.
قال عبد الكريم بن حمزة : وساق الخبر بطوله في موعظة الفضيل لهارون الرشيد ، وذكر ذلك بركات ، فقال :
ثم ارتقى إلى الغرفة فأطفأ السّراج ثم التجأ إلى زاوية من زوايا الغرفة قال : فدخلنا فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت يد هارون إليه ، فبكى وقال : أوّه من كفّ ما ألينها إن نجت غدا من عذاب الله ، قال : قلت في نفسي : لنكلّمنّه الليلة بكلام تقي من قلب تقي (٣) ، فقال له : خذ لما جئنا له رحمك الله ، فقال : إنّ عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبد الله ومحمّد بن كعب القرظي ورجاء بن حيوة فقال لهم : إنّي قد ابتليت بهذا البلاء فأشيروا عليّ ، فعدّ الخلافة يا أمير المؤمنين بلاء ، وعددتها أنت وأصحابك نعمة ، فقال له سالم بن عبد الله : إن أردت النجاة غدا من عذاب الله عزوجل فصم عن الدنيا وليكن إفطارك فيها الموت ، وقال له محمّد بن كعب القرظي : إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين (٤) عندك أبا ، وأوسطهم عندك أخا ، وصغيركم (٥) عندك ولدا ، فوقّر أباك ، وأكرم أخاك ، وتحنّن على ولدك ، وقال له رجاء بن حيوة : إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فأحبّ
__________________
(١) كذا بالأصل والمختصر ، وفي الحلية وتهذيب الكمال : يا أبا عباس ، راجع ترجمة الفضل بن ربيع بن يونس في سير أعلام النبلاء ١٠ / ١٠٩ ، وتاريخ بغداد ١٢ / ٣٤٣ وكناه بأبي العباس.
(٢) كذا بالأصل وتهذيب الكمال ، وفي الحلية : ليس للمؤمن بذل نفسه.
(٣) كذا بالأصل ، وفي تهذيب الكمال وسير الأعلام والمختصر : «نقي» وفي الحلية : بكلام من تقى قلب تقي.
(٤) في الحلية : كبير المؤمنين.
(٥) كذا بالأصل ، وفي الحلية وتهذيب الكمال وسير الأعلام : وأصغرهم.