ليصلّي أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي حتى يبلغ الموضع الذي يريد ، ثم يصنع مثل (١) ذلك في رجوعه إلى أن يأخذ مجلسه ، وأمّا إسماعيل بن إسحاق فإنّي ما دخلت عليه قطّ إلّا وفي يده كتاب ينظر فيه ، أو يقلّب الكتب لطلب كتاب ينظر فيه.
أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي وغيره عن أبي بكر الخطيب ، أنبأنا محمّد بن محمّد بن المظفّر بن السراج ، أنبأنا محمّد بن عمران بن موسى المرزباني ، أخبرني محمّد بن يحيى ، حدّثني يحيى بن البحتري ، قال : قال لي أبي :
كان أوّل ما مدحت به الفتح بن خاقان :
هب الدار ردّت رجع ما أنت قائله (٢)
فأنشدته إياها في سنة ثلاث وثلاثين بعد أن أقمت شهرا لا أصل إلى إنشاده ، وهو مع ذاك يجري عليّ ويصلني ، ثم جلس جلوسا عاما وحضرت وحدي ، فأنشدته فرأيته يتبسم عند كلّ بيت جيد ، فعلمت أنه يعلم الشعر ، وكان ذلك أعجب إليّ من جميع ما وصلني به ، وكان أول ما اهتز له حين بلغت قولي :
وقد قلت للمعلي إلى المجد طرفه |
|
دع المجد فالفتح بن خاقان شاغله |
أطلّ بنعماه فمن ذا يطاوله |
|
وعمّ بجدواه فمن ذا يساجله |
أمنت به الدّهر الذي كنت أتّقي |
|
ونلت به القدر الذي كنت آمله |
ولمّا حضرنا سدّة الإذن أخّرت |
|
رجال عن الباب الذي أنا داخله |
فأفضيت من قرب إلى ذي مهابة |
|
أقابل بدر الأفق حين أقابله |
فسلّمت واعتاقت جناني هيبة |
|
تنازعني القول الذي أنا قائله |
فلمّا تأمّلت الطّلاقة وانثنى |
|
إليّ ببشر آنستني مخايله |
دنوت فقبّلت الثّرى (٣) من يد امرئ |
|
جميل محيّاه سباط أنامله (٤) |
__________________
(١) بالأصل : بعد ، والمثبت عن المختصر.
(٢) البيت للبحتري ، في ديوانه ط بيروت ١ / ٥٢ مطلع قصيدة يمدح الفتح بن خاقان ويصف دخوله إليه وسلامه عليه ، وعجزه :
وأبدى الجواب الربع عما تسائله
(٣) في الديوان : الندى.
(٤) سباط أنامله أي منبسط الكف ، يكنى به أنه كريم ومعطاء.