قال : فكدت أسقط عن راحلتي طربا ، فسمت سمته فإذا هو راعي غنم ، فسألته إعادته فقال : والله لو حضرني قرى أقريك ما أعدته ولكن اجعله قراك الليلة ، فإنّي ربما ترنّمت بهما وأنا غرثان فأشبع ، وظمآن فأروى ، ومستوحش فآنس ، وكسلان فأنشط ، فاستعدته إياهما فأعادهما حتى أخذتهما ، فما كان زادي ـ حتى وردت المدينة ـ غيرهما.
قرأت في كتاب أبي الفرج علي بن الحسين بن محمّد الكاتب (١) ، أخبرني الحسين بن يحيى ، ومحمّد بن يزيد ، قالا : نا حمّاد بن إسحاق ، عن أبيه قال :
كان عمر الوادي يجتمع مع معبد ومالك وغيرهما من المغنين (٢) عند الوليد بن يزيد ، فلا يمنعه حضورهم من تقديمه والإصغاء إليه والاختصاص له [وبلغني أنه كان لا يضرب ، وإنما كان مرتجلا ، وكان الوليد يسميه : جامع لذاتي](٣) وبلغني أن حكم الوادي وغيره من مغنّي وادي القرى أخذوا عنه الغناء وانتحلوا أكثر أغانيه.
قرأت على أبي الوفاء حفاظ بن الحسن بن الحسين ، عن عبد العزيز بن أحمد ، أنا عبد الوهّاب الميداني ، أنا أبو سليمان بن زبر ، أنا عبد الله بن أحمد بن جعفر ، أنا محمّد بن جرير الطبري (٤) ، حدّثني أحمد بن زهير ، عن علي بن محمّد قال :
كان مع الوليد ـ يعني ابن يزيد ـ حين قتل : مالك بن أبي السمح المغني ، وعمر الوادي (٥) ، فلما تفرّق عن الوليد أصحابه ، وحصر ، قال مالك لعمر (٦) : اذهب بنا ، فقال عمر (٧) : ليس هذا من الوفاء ، ونحن لا يعرض لنا ، لأنا لسنا ممن يقاتل ، فقال مالك : ويلك ، والله لئن ظفروا بنا لا يقتل أحد قبلي وقبلك ، فيوضع رأسه بين رأسينا ، ويقال للناس : انظروا من كان معه في هذه الحال ، فلا يعيبونه بشيء أشد من هذا ، فهربا.
__________________
(١) الخبر في الأغاني ٧ / ٨٥ ـ ٨٦.
(٢) بالأصل و «ز» : «المغنيين» واللفظة مضطربة الإعجام في م ، والمثبت عن الأغاني.
(٣) ما بين معكوفتين سقط من الأصل.
(٤) الخبر في تاريخ الطبري ٧ / ٢٥٢ (حوادث سنة ١٢٦).
(٥) في الطبري : عمرو الوادي.
(٦) الطبري : لعمرو.
(٧) في الطبري : عمرو الوادي.