على أحدكم أن يتعلم العربية فيقيم بها أوده ، ويحضر بها سلطانه ، ويزيّن بها مشهده ، وينوء بها على خصمه ، أو يرضى أحدكم أن يكون لسانه مثل لسان عبده وأكّاره؟ قد أمرنا لك بعشرة آلاف درهم ، فإن كان سبقك لسانك وإلّا فاستعن ببعض ما أوصلناه إليك ، ولا يستحي أحدكم من التعلم ، فإنه لو لا هذا اللسان كان الإنسان كالبهيمة المهملة ـ وفي رواية أخرى : أو كالصورة الممثلة (١) ، قاتل الله الشاعر حيث يقول :
ألم تر مفتاح الفؤاد لسانه |
|
إذا هو أبدى ما يقول من الفم |
وكائن ترى من صامت (٢) لك معجب |
|
زيادته أو نقصه في التّكلّم |
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده |
|
فلم يبق إلّا صورة اللحم والدّم |
قال القاضي في هذا الخبر : فإن رأى الأمير يفعل ، والأحسن : فإن رأى فعل ، أو فإن ير يفعل ، ليتفق لفظ الشرط ولفظ الجزاء ، وفعل الجزاء مستقبل في المعنى ، وإن أتى به بلفظ المضي ، ومجيئه (٣) مختلفا على ما في هذا الخبر صواب ، وقال زهير (٤) :
ومن هاب أسباب المنايا قتلنه |
|
ولو نال أسباب السماء بسلّم |
أخبرنا أبو القاسم العلوي ، وأبو محمّد بن السّمرقندي ، وأبو الحسن بن مرزوق ـ إذنا ـ قالا : نا ـ وقال أبو الحسن أنا ـ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب ، حدّثني أبو عبد الله محمّد بن علي الكاتب ، أنا الحسن بن حامد الأديب ، نا أبو خيثمة زهير بن حرب من كتابه ، سمعته يمليه على أبيه أبي بكر فتقدمت فقال : يا عسكري (٥) على ابني اقعد اكتب ، قال : حدّثنا عبد الله بن بكر السهمي ، نا أبي ، نا سلم بن قتيبة قال :
كنت عند ابن هبيرة الأكبر فجرى الحديث حتى جرى ذكر العربية فقال : والله ما استوى رجلان دينهما واحد ، وحسبهما واحد ، ومروءتهما واحدة ، أحدهما يلحن والآخر لا يلحن ؛ إنّ أفضلهما في الدنيا والآخرة الذي لا يلحن ، قلت : أصلح الله الأمير ، هذا أفضل في الدنيا لفضل فصاحته وعربيته ، أرأيت الآخر ما باله أفضل فيها؟ قال : إنه يقرأ كتاب الله على ما أنزل الله ، وإنّ الذي يلحن يحمله لحنه على أن يدخل في كتاب الله ما ليس فيه ، ويخرج منه ما هو فيه ، قال : قلت : صدق الأمير وبرّ.
__________________
(١) رسمها وإعجامها مضطربان ، والمثبت عن م ، و «ز» ، والجليس الصالح.
(٢) في الجليس الصالح : صاحب.
(٣) في الجليس الصالح : ومجيئه مختلط.
(٤) البيت من معلقة زهير بن أبي سلمى ، راجع ديوانه.
(٥) رسمها بالأصل : «طعلئب»؟؟؟؟ وفي م و «ز» أعجمت الفاء.