أخبرنا أبو غالب بن البنّا ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، نا يحيى بن محمّد بن صاعد ، نا الحسين بن الحسن ، أنا عبد الله بن المبارك ، أنا جرير بن حازم ، حدّثني المغيرة بن حكيم قال (١) :
قالت لي فاطمة ـ يعني بنت عبد الملك ـ كنت أسمع عمر في مرضه الذي مات فيه يقول : اللهم أخف عليهم أمري ولو ساعة من نهار ، قالت : فقلت له يوما : يا أمير المؤمنين ألا أخرج عنك عسى أن تغفو (٢) شيئا ، فإنك لم تنم ، قالت : فخرجت عنه إلى بيت غير البيت الذي هو فيه ، قالت : فجعلت أسمعه يقول : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(٣) مرارا ، ثم أطرق ، فلبث طويلا لا يسمع له حس ، فقلت لوصيف له كان يخدمه : ويحك! انظر ، فلمّا [دخل](٤) صاح ، قال : فدخلت عليه فوجدته ميتا ، قد أقبل بوجهه على القبلة ، ووضع إحدى يديه على فيه ، والأخرى على عينيه.
أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن أيوب بن الحسين ، وأبو بكر محمّد بن الحسين ، قالا : نا أبو الحسين بن المهتدي ، أنا أبو أحمد محمّد بن عبد الله بن أحمد ، نا أبو علي محمّد بن سعيد بن عبد الرّحمن الرّقّي ، أنا هلال بن العلاء ، حدّثني أبي ، نا عبد الرّحمن بن عون بن حبيب الرّقّي عن عبيدة بن حسان قال (٥) :
لما احتضر عمر بن عبد العزيز قال : اخرجوا عني فلا يبقى عندي أحد ، قال : وكان عنده مسلمة بن عبد الملك ، قال : فخرجوا ، فقعد على الباب هو وفاطمة قال : فسمعوه يقول : مرحبا بهذه الوجوه ليست بوجوه أنس ولا جان قال : ثم قال : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ، قال : ثم هدأ الصوت ، فقال مسلمة لفاطمة : قد قبض صاحبك ، فدخلوا فوجدوه قد قبض ، وغمض وسوّي.
__________________
(١) الخبر في سيرة عمر لابن الجوزي ص ٣٢٥ ـ ٣٢٦ وحلية الأولياء ٥ / ٣٣٥ وتاريخ الإسلام (ترجمته) ص ٢٠٤ وسير أعلام النبلاء ٥ / ١٤١.
(٢) الأصل و «ز» : «يغفر» تصحيف ، والتصويب عن م وسيرة عمر : وفيهما : تغفى.
(٣) سورة القصص ، الآية : ٨٣.
(٤) سقطت اللفظة من الأصل وزيدت عن «ز» ، وم ، وسيرة عمر وتاريخ الإسلام وسير أعلام النبلاء.
(٥) سيرة عمر لابن الجوزي ص ٣٢٥ ـ ٣٢٦ وتاريخ الإسلام (ترجمته) ص ٢٠٤ وسير أعلام النبلاء ٥ / ١٤٢ وفيهما : عبيد بن حسان.