وكان الذين يعيبون عمر ممن يحسده لا يعيبونه إلّا بشيئين : إلّا بالإفراط في النعمة والاختيال في المشية ، ولو كانوا يجدون ثالثا لجعلوه معهما ، وهو قول الأحنف : الكامل من عدّت هفواته ، ولا تعدّ إلّا من قلة.
فدخل يوما على عبد الملك وهو يتجانف في مشيته ، فقال له [: يا](١) عمر ، ما لك تمشي غير مشيتك ، قال : إن بي جرحا قال وفي أي جسدك؟ قال : بين الرانقة والصفن ، قال عبد الملك لروح بن زنباع : أقسم بالله لو رجل من قومك سئل عن هذا لما أجاب هذا الجواب.
الرانقة : طرف الألية ، والصّفن : جلد الخصية.
قال جرير (٢) :
يترك أصفان الخصي جلا جلا (٣)
أخبرنا أبو العز بن كادش ـ فيما قرأ علي إسناده وناولني إياه وقال اروه عني ـ أنا محمّد بن الحسين ، أنا المعافى بن زكريا (٤) ، نا محمّد بن الحسن بن دريد ، أنا أبو (٥) عثمان ، عن العتبي قال :
لما توفي عبد الملك بن مروان أسف عليه عمر بن عبد العزيز أسفا منعه عن العيش ، وكان ناعما ، فاستشعر (٦) مسحا (٧) تحت ثيابه سبعين ليلة ، فقال له قاسم بن محمّد (٨) يوما وهو يفاكهه : أما علمت أن من مضى من سلفنا كانوا يستحبون استقبال المصائب بالتّجمّل ، ومواجهة النعم بالتواضع ، فراح عمر من عشية يومه ذلك في ثياب رفيعة (٩) موشاة تقوم عليه بثمانمائة دينار.
__________________
(١) زيادة عن م و «ز» للإيضاح.
(٢) البيت في ديوانه ص ٤٨٦ وصدره :
يرهز رهزا يرعد الخصائلا
وعجزه في اللسان والتهذيب وتاج العروس (صفن).
(٣) البيت في ديوانه ص ٤٨٦ وصدره :
يرهز رهزا يرعد الخصائلا وعجزه في اللسان والتهذيب وتاج العروس (صفن).
(٤) الخبر في الجليس الصالح الكافي ٢ / ١٥٨ ـ ١٥٩.
(٥) «أبو» سقطت من الجليس الصالح.
(٦) استشعره جعله شعارا ، والشعار هو ما ولي الجسد دون غيره من الثياب.
(٧) المسح : كساء من شعر.
(٨) هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، من فقهاء المدينة ، راجع أخباره في حلية الأولياء ٢ / ١٨٣.
(٩) «رفيعة» ليست في الجليس الصالح ، وفي «ز» : ربيعة!؟.