الامتيازات والحفاظ عليها ، وكل محاولات إلغاء هذه الامتيازات باءت بالفشل. وعلى العكس ، ففي مراحل ضعف المملكة زادت الكومونات في قوتها ، فاصطدمت بعضها ببعض ، ودارت بينها اشتباكات مسلحة أحيانا. لقد أدّت التجارة دورا مركزيا في الحملات الصليبية ، وعبرت عنه الكومونات بموقع متميز في مملكة أورشليم اللاتينية.
وطوال فترة قيامها في الشرق ، ظلت الكيانات الصليبية تعاني نقصا في الطاقة البشرية ، وبقي الفرنجة أقلية بالنسبة إلى السكان المحليين. ولأنها ظلت في حالة حرب مستمرة ، فقد استنزف الجيش طاقة تلك الكيانات البشرية. ومن هنا ، بقيت تعتمد أصلا على المدد من أوروبا للدفاع عن نفسها إزاء المقاومة الإسلامية ، وظلت الحملات الآتية من الغرب تتحمل عبء المواجهة الواسعة. أمّا في حالات الهدوء النسبي ، فقد اعتمد الفرنجة على السكان المحليين في توفير مستلزمات حياتهم ، إضافة إلى ما يستوردونه من أوروبا ، وتحمله أساطيل المدن التجارية. وكان الجيش الصليبي يعتمد الأسلوب الإقطاعي الأوروبي في تشكيله. ومملكة أورشليم اللاتينية ، في ذروة قوتها ، امتلكت جيشا مؤلفا من ٦٠٠ فارس ، و ٥٠٠٠ من جنود المشاة ، بينما يقدر عدد سكانها آنئذ بنحو ٠٠٠ ، ١٢٠ نسمة. وإذا أضيفت إليها قوات الإمارات الأخرى ، والتنظيمات العسكرية ، وما التزمت به الأديرة والكنائس ، فالتقدير أن جيش الشرق وصل إلى ٢٠٠٠ فارس و ٠٠٠ ، ١٨ من المشاة ، وهو عدد كبير نسبيا بالنسبة إلى عدد السكان من الفرنجة في الإمارات.
وكان الفرسان عماد هذا الجيش ، وهم القوة المدرعة ، التي يساندها المشاة ، بنسبة ١٠ : ١ تقريبا. ومع تطور الدرع في أوروبا ، صار يغطي الفارس وحصانه. وللفارس بوجه عام ٣ أحصنة ومعاونان يحملان عتاده ومتاعه. وهو يزود بخوذة حديدية ودرع وترس وحربتين (قصيرة وطويلة) ، ورمح. وفي هجوم منسق ومباشر ، كانت هذه القوة ساحقة. وفي الواقع ، لم تصمد أمامها الجيوش الإسلامية في البداية. ثم ما لبث المسلمون أن اكتشفوا نقطة الضعف فيها ، وهي ثقل حركتها. فطوروا سلاح فرسانهم سريع الحركة ، الذي تدعمه النبّالة (رماة السهام). وابتدعوا تكتيكات ميدانية مضادة ، تعتمد فتح الصفوف ، واستدراج الفرسان المسربلين بالحديد ، بعيدا عن المشاة ، ومن ثمّ الانقضاض عليهم من كمائن جانبية. وبناء عليه ، اضطر الفرنجة إلى رفد سلاح فرسانهم الثقيل بآخر خفيف ، يشبه قوات المسلمين. وقد جندوا أفراده من بين السكان المحليين ، وعرف بلغتهم باسم أبناء الترك. وكانت خيولهم سريعة وملائمة لعمليات الاستطلاع والأشغال والالتفاف وسلاحهم الرئيسي القوس الصغير.