مساحات من الأراضي ، وخصوصا في المناطق الحدودية. فمن ناحية ، هجرها الكثيرون من أصحابها بسبب الأوضاع الأمنية ، ومن الناحية الأخرى ، توجه إليها فرسان المنظمات العسكرية للدفاع عن تلك الحدود. وفي الإقطاعيات شكّلت محاكم عليا أيضا ، من أتباع البارون الذين يمنحون إقطاعات أصغر ، في مقابل الخدمات العسكرية وغيرها. وكانت مهمات هذه المحاكم في الإدارة والقضاء. وبالأساس ، استند التقسيم الإقطاعي إلى التنظيم العسكري ، وضمان تقديم الخدمات العسكرية والقوات المقاتلة للدولة. فكان على كل سيد ، بحسب مساحة إقطاعيته ، أن يجند عددا من الفرسان والمشاة ، ويجهزهم ليتحرك على رأسهم عند الحاجة ، فكانوا بمثابة جيش من المرتزقة.
وعلى عكس الوضع العام في أوروبا الغربية ، وانسجاما أكثر مع الحالة في إيطاليا وبيزنطة ، احتلت المدن موقعا مرموقا في مملكة أورشليم اللاتينية والإمارات الصليبية الأخرى في الشرق. ومع أن هذه المدن لم تصل إلى حد الاستقلال الذاتي (البولس اليوناني أو الروماني) ، فإنها تمتعت بدرجة عالية من الحكم الذاتي. وكانت في كل مدينة محكمة بورجوازية ، لها صلاحيات قضائية وإدارية وشرطية. ويترأس المحكمة في العادة نبيل يسميه صاحب المدينة ، ويعين معه عددا من المحلّفين ، من ذوي النفوذ. وصلاحيات هذه المحكمة تنحصر بالفرنجة ، ولكن من العامة والتجار من دون النبلاء ، ولها قوانينها الخاصة ، غير الإقطاعية ، والمرتكزة على القانون الروماني. وعدا القضايا الجنائية ، عملت هذه المحكمة بالأمور المدنية والمالية والعقارية. أمّا الأمور العسكرية فكانت بيد قائد الحصن. وفي المدن أيضا محاكم الميناء ، التي تعنى بقضايا الصفقات التجارية البحرية ، وشؤون القباطنة ، ويتولى عضويتها خبراء بأمور البحارة.
وفي المدن ، وخصوصا الساحلية ، أقام تجار المدن الأوروبية ـ الإيطالية والفرنسية والإسبانية ـ أحياء خاصة بهم ، كانت على العموم مسورة ، دعيت كومونة. وفي مقابل الخدمات التي قدمتها تلك المدن للحملات الصليبية ، وخصوصا على صعيد نقل الجيوش والمعدات والمؤن بأساطيلها الكبيرة ، حصلت على امتيازات تجارية عامة ، وفي بعض الحالات إدارية. وفي الأغلب ، تمتعت الكومونات باستقلال ذاتي ، منحه لها الملك ، وتميّزت بينها كومونات عكا وصور بعددها وضخامتها. وكان يقوم على رأس الكومونة قنصل ، تعيّنه المدينة الأم. وللكومونة استقلال قضائي ، وخصوصا في الأمور التجارية ، ولها شرطة تحافظ على الأمن فيها. وحرصت الكومونات على صيانة حكمها الذاتي ، واستغلت حاجة المملكة إليها لانتزاع