أتاوة كبيرة للإمبراطور جوستنيان الثاني. واستمر ملكه أكثر من عشرين عاما (٦٨٥ ـ ٧٠٥ م) ، قضاها في قمع الفتن وإخضاع الأقاليم المتمردة على حكمه. وبعد أن استعاد أرمينيا ، باشر في فتوح جديدة ، في الشرق والغرب. ولدى موته (٧٠٥ م) ، ورث ابنه الوليد بن عبد الملك ملكا وطيد الدعائم ، أتاح له التوجه إلى الإصلاح والعمارة ، بصورة لم يسبق لها مثيل في دولة الإسلام.
وبعد خلافة هشام بن عبد الملك (٧٢٤ ـ ٧٤٣ م) ، آخر خلفاء بني أمية الأكفاء ، راحت أوضاع الدولة الأموية تتدهور بوتيرة متسارعة. وبينما اندلع الصراع بين المتنافسين من أبناء الخلفاء على الحكم ، تفاقمت دعوة العباسيين ضدهم واشتعلت الفتن في جميع أنحاء البلاد. وكان مركز «الدعوة الهاشمية» (نسبة إلى بني هاشم) في جنوب فلسطين (الحميّمة ـ جنوب البحر الميت). وفي خضم الصراع المتعدد الأطراف ـ بين الأمويين أنفسهم ، كما بينهم وبين أعدائهم ـ ضربت وحدة قبائل بلاد الشام ، التي رعاها الخلفاء الأولون من بني أمية ، فكانت ركيزة حكمهم. وثارت العصبية القبلية ، ولحق البلاد خراب كثير ، كما قتل الكثيرون من وجوه القبائل النافذة ، الأمر الذي مهّد السبيل أمام سقوط الأمويين (٧٥٠ م) ، وبالتالي صعود العباسيين ، ونقل مركز الخلافة إلى العراق ، وبناء عليه ، تهميش بلاد الشام ، ومن ضمنها فلسطين.
السكان والعمران
إن معلوماتنا عن الوضع السكاني في فلسطين بعد الفتح العربي ضئيلة ، ومصادرها في الأغلب عراقية متأخرة ، وهي متحاملة على الأمويين بصورة عامة ، إذ كتبت تحت حكم خصومهم ـ العباسيين. والمعروف أن الفاتحين الجدد لم يقيموا في بلاد الشام أمصارا (مدنا عسكرية) ، كما فعلوا في العراق وغيره (البصرة والكوفة وعسكر مكرم والقيروان مثلا). وإذ تجمعت الجيوش بداية في الجابية ، ومن ثمّ في الرملة (اللد) ، فإنهما لم تصلا إلى ما وصلت إليه الأمصار الأخرى المعروفة من أيام الخلفاء الراشدين. والمقاتلون الذين نزلوا بلاد الشام استقروا بالمدن القائمة ، وهي كثيرة من العصر البيزنطي ، دمشق وحمص وحلب وطبرية وبيسان والقدس وغيرها على الساحل. وتفيد المصادر أن الكثيرين من سكان المدن رحلوا عنها مع الجيش البيزنطي ، بينما الريف ظل عامرا بسكانه المحليين (السوريين) ، وكذلك بالقبائل العربية الكثيرة التي استقرت بالمنطقة قبل الإسلام. وقد انتقلت أملاك النازحين وبيوتهم إلى الفاتحين ، الذين أدخلوا في معاهدات الصلح التي عقدوها مع