وخصوصا بين الحاج أمين الحسيني وراغب النشاشيبي ، الذي أصبح رئيس بلدية القدس. وشغلت القوى السياسية بهذا الصراع نتيجة انحسار النشاط الصهيوني ، وتضاؤل الهجرة ، بل تزايد النزوح إلى الخارج ، الذي بلغ ذروته سنة ١٩٢٧ م إذ زاد عدد النازحين عن القادمين.
ولعل من أهم الدلائل على تراجع الحركة الوطنية الفلسطينية ، توقفها عن عقد مؤتمراتها الدورية ، ليس لغياب القضايا الملحة ، وإنما بسبب الشقاق الداخلي. وقد جرت عدة محاولات لإزالة الخلافات بين التكتلين ـ الأول بقيادة الحاج أمين ، والثاني حول راغب النشاشيبي ـ لكنها باءت جميعا بالفشل. وفي أجواء المشاحنات الداخلية ، غابت القضية المركزية ، وسعت الأطراف المتخاصمة للتقرب من السلطة حماية لمواقعها. في المقابل ، كانت المؤتمرات الصهيونية تنعقد بانتظام ، ورئيس المنظمة يعمل على توسيع الوكالة اليهودية ، وضم غير الصهيونيين إليها ، بهدف توفير الموارد المالية اللازمة للاستيطان. أمّا حكومة الانتداب ، وإزاء انحسار الضغط العربي عليها ، فلم تبادر إلى طرح مسألة إقامة حكومة تمثيلية ، حتى عندما أبدت فئات عربية استعدادها للتعاون مع السلطة ، بينما تركت للوكالة اليهودية حرية العمل لتطوير مؤسسات الحكم الذاتي. وفي غياب القيادة السياسية القادرة على إدارة الصراع ، ومعاودة المنظمة الصهيونية نشاطها بدعم الانتداب ، وقعت حادثة استفزازية كانت كافية لتفجير العنف الشعبي ، الذي كان خارج قدرة الأطراف السيطرة عليه.
د) ثورة البراق
عندما عقد المؤتمر الفلسطيني السابع في القدس في الفترة ٢٠ ـ ٢١ حزيران / يونيو ١٩٢٨ م ، بعد محاولات متعددة فاشلة ، جاء ضعيفا ، ولا غرو أنه كان آخر المؤتمرات. ففي الأعوام الخمسة التي انقضت منذ المؤتمر السادس ، أصاب الحركة الوطنية الفلسطينية الوهن ، وبالتالي الشلل السياسي. وتنامى عدد الزعماء الذين جنحوا نحو الاعتدال بالتعامل مع الانتداب ، تجاوزا لقرارات المؤتمرات السابقة عامة. ووصل التراجع حدّ تشكيل وفد من اللجنة التنفيذية والحزب الوطني وجمعية تعاون القرى (تموز / يوليو ١٩٢٦ م) ، للاجتماع مع ممثل للحكومة ، وتقديم اقتراح بالاستعداد للمشاركة في حكومة دستورية. ومع ذلك ، فالمندوب السامي لم يتعامل مع الاقتراح بجدية ، بل على العكس ، رأى في ذلك فرصة لاستغلال التناقضات بين الأجنحة المتصارعة داخل الحركة الوطنية. وانهمكت هذه الحركة ما بين تشرين الأول / أكتوبر ١٩٢٦ م ، وأيار / مايو ١٩٢٧ م بالانتخابات البلدية ، التي