ويعتبر تل القدح (أو تل وقاص) ، وهو موقع المملكة الأهم في فلسطين في تلك الفترة ـ حاصور ـ أكبر مواقع هذا العصر في فلسطين. وتبلغ مساحته نحو ٧٠٠ دونم. وقد كشفت الحفريات فيه عن مبان ضخمة متنوعة ، أهمها الأكروبولس ، الذي يعود إلى عصر الهكسوس ، وقصر كبير عند البوابة ، التي يعتقد البعض أن سليمان بناها لاحقا. ويرد ذكر حاصور في وثائق ماري ، من العهد البابلي القديم. ويظهر أن الموقع كان يوازي بأهميته الدول العمورية الكبيرة في شمال سورية ، مثل : يمحاض (حلب) وقطنا (تل المشرفة) إلى الشمال من حمص وكركميش وإبلا (تل مرديخ). وتحتل مجدّو (تل المتسلم) في مرج ابن عامر ، عند مدخل وادي عارة ، الذي يشكل حلقة في طريق البحر الدولي المهم ، موقعا استراتيجيا مرموقا. وقد كشفت الحفريات فيها ، وفي عدد من المواقع الأخرى ، آثارا معمارية فخمة من هذا العصر.
ويبقى مصطلح كنعان مبهما. ويرجح أنه اشتقّ من صنعة صباغة الأرجوان ، أو التجارة به ، والتي مارسها السكان في عصر البرونز ، الذين تطلق التوراة عليهم لقب «التجار» (أشعيا ٢٣ : ٨). والكنعاني وفق هذا المعنى هو تاجر البضائع الأرجوانية ، أو صانعها ، الذي أوجد لها سوقا في مصر ، وعرف بها. وأطلق الاسم على سكان المدن الفينيقية الساحلية ، وتطور ليشمل المنطقة جغرافيا ، ويكتسب مضمونا إثنيا ، فأصبح يدل على الأرض والسكان معا. أمّا كيف كان الكنعانيون يسمون أنفسهم ، فليس لدينا ما يدل على ذلك في وثائق تعود إليهم. وهناك من يقول إن الاسم مشتق من الفلاحة ، والكنعاني هو الفلاح ، ساكن المروج ، العامل بالزراعة ، خلافا ل «العابيرو» أو «الشاسو» أو «الشوتو» ، من الأقوام الرحل.
رابعا : العبرانيون
على العكس من الكنعانيين ، الذين تعرضت علاقتهم التاريخية بفلسطين إلى محاولات الطمس والتبديد ، فقد جرى إبراز علاقة العبرانيين بها وتضخيمها ، إلى حد شيوع فكرة الترابط التاريخي بينهم وبينها. وهذا تشويه متعمد للتاريخ. وتشويه آخر جرى تعميمه هو الخلط ، الذي لا يخلو من قصد ، بين العبرانيين وبني إسرائيل ، إذ سوّى بينهما ، وهو ليس صحيحا ، إذ إن العبرانيين شيء ، وبنو إسرائيل شيء آخر. وبفعل هذا التشويه صارت فلسطين تعرف على نطاق واسع باسم أرض ـ إسرائيل. وقد أدّت الدراسات التوراتية ، وليس من قبل اليهود فقط ، دورا رئيسيا في هذا التشويه الشائع.
لقد جهد حملة لواء الدراسات والآثار التوراتية في توظيف غموض المصادر