العربية. ولكنه سرعان ما اختلف معهم على الأتاوة ، فانقلب إلى التحالف مع القبائل عليهم ، فهزم الخوارزمية القبائل بقيادة أطسيز (أتسيز) عند طبرية (١٠٧١ م). وبعد صراع مع الجمالي ، حاصروه في طبرية ، واستولوا على الداخل ، بما فيه دمشق والقدس ، في حين ظلت مدن الساحل مع الفاطميين. وانتقل الخوارزمية بعد ذلك إلى حصار عكا وفتحوها (١٠٧٤ م). وتوجهوا إلى مصر ، لكنهم هزموا هناك. وفي هذه الأثناء ، ثارت فلسطين ضدهم ، فقمعوا الثورة بعنف ، واحتلوا القدس ثانية (١٠٧٥ م) ، وخربوا فيها كثيرا.
ولم تكن بلاد الشام عامة ، وفلسطين خاصة ، في أعلى سلم أولويات السلاجقة. في المقابل تشبّث الفاطميون بالساحل ، لأهميته الاقتصادية ، وخصوصا من ناحية التجارة مع بيزنطة. ولما استفحل أمر أطسيز في داخلها ، أرسل السلطان ملكشاه (١٠٧٢ ـ ١٠٩٢ م) أخاه تتش لإخضاعه. وفي سنة ١٠٧٨ م احتل تتش حلب وحمص ، وبعدهما دمشق (١٠٧٩ م) ، حيث استلم أطسيز ، فقتله تتش. وهذا الأخير لم يبد حماسة لقتال الفاطميين ، وتلكّأ حتى سنة ١٠٨٢ م ليحتل القدس. وكانت عين تتش على السلطنة بعد أخيه ملكشاه. ولما مات هذا الأخير ، قام تتش على ابن أخيه برقياروق ، فحاربه وقتل (١٠٩٤ م). وانتهز الفاطميون الفرصة ، ووسعوا سلطانهم في فلسطين انطلاقا من قاعدتهم في عسقلان. وفي سنة ١٠٩٦ م ، احتلوا القدس ، وبقيت في أيديهم ثلاث سنوات ، إلى أن دخلها الفرنجة سنة ١٠٩٩ م.
خامسا : مملكة أورشليم اللاتينية
شغلت الحملات الأوروبية المسيحية على الشرق الإسلامي ، خلال القرنين ، الثاني والثالث عشر والتي حملت اسم الصليبية ، المؤرخين في أزمنة متعددة ، وذلك لاستجلاء طبيعتها وأسبابها والقوى التي اندفعت إليها ، وبالتالي آثارها ونتائجها ، المباشرة وغير المباشرة ، ماديا وروحيا. وبغض النظر عن الأطروحات المتعددة على هذه الصعد ، فهناك شبه إجماع على أهميتها في التاريخ العالمي. وخلال قرون طويلة ظل المنظور العام لهذا الصراع ، الذي راحت عناصره تتجمع في الربع الأخير من القرن الحادي عشر الميلادي ، يركز على الجانب الديني ـ أي على اعتباره صراعا بين المسيحية والإسلام. وفي القرن التاسع عشر ، بدأت الدراسات النقدية تظهر في أوروبا ، في فرنسا أولا ، ومعها راحت تتكشف العوامل المتعددة التي تضافرت لتجعل مثل هذه الظاهرة (الحملات الصليبية) أمرا ممكنا.
وكان كلما تقدمت هذه الدراسات وتعمقت ، برزت الأسباب الدنيوية على