الفصل الخامس
العصر العثماني
أولا : الاحتلال العثماني
منذ تأسيس سلطنة روم السلجوقية في القرن الحادي عشر الميلادي ، ظلت جماعات وقبائل تركية ترد إلى آسيا الصغرى ، تتوغل في أراضيها وتستقر حيث تستطيع ، وتعمل على العموم في خدمة السلطان. وكانت المناطق الحدودية تشكّل بالنسبة إلى هذه القبائل والجماعات بؤرة جذب ، إذ كانت تمارس منها «الجهاد» ضد البيزنطيين ، وتوسع أراضيها وتبني قواها ، فاكتسب مقاتلوها لقب «غازي». وقد تكثف هذا السيل التركي خلال القرن الثالث عشر ، تحت ضغط الزحف المغولي ، الأمر الذي دفع قبائل تركية إلى التحرك غربا ، هربا من التنكيل المغولي البربري. ومن هذه الجماعات كان الأتراك العثمانيون ، على اسم مؤسس السلالة عثمان بن أرطغرل ، الملقب غازي عثمان (١٢٩٩ ـ ١٣٢٦ م) ، والذي أقام في بداية القرن الرابع عشر الميلادي دولة حدودية ، شغلها «الغزو» في أقصى الشمال الغربي من آسيا الصغرى ، على حدود أراضي الإمبراطورية البيزنطية. في تلك الزاوية من آسيا الصغرى ، ومن مركزه في أسكيشهر (دوريليوم) ، شنّ عثمان هجماته على القلاع البيزنطية الحدودية ، وحقق نصرا على حكامها في معركة قويون حصار (١٣٠١ م). وعندما سقطت ينيشهر (ميلانجيا) في يده وجعلها مقر نشاطه ، فقد قطع طريق الاتصال البري بين المدينتين الكبيرتين : نيقيا (إزنك) وبروسا (بورصة). وفي سنة ١٣٢٦ م ، استطاع أورخان ، ابن عثمان ووارثه (١٣٢٦ ـ ١٣٥٩ م) ، احتلال بروسا ، فنقل مركزه إليها بعد موت والده. وفي سنة ١٣٣١ م احتل نيقيا ، ومن بعدها نيكوميديا (إزمت) في سنة ١٣٣٧ م ، وبذلك أصبح شاطىء البوسفور الشرقي كله تحت سيطرته. وببروزه هذا ، استطاع أورخان أن يضم إليه عددا من الولايات التركية المجاورة ، رأى حكامها في مصلحتهم التعاون معه ، لما يحققه لهم ذلك من طموحات تساورهم. ويعتبر أورخان مؤسس الدولة العثمانية الحقيقي. وعند موته (١٣٥٩ م) ، خلّف أورخان وراءه دولة واسعة ، تملك جيشا قويا ومنظما ، ولها إدارة متقدمة عن غيرها من الولايات التركية الأخرى ، والأهم أن لديها مشروعا توسعيا طموحا.