وإلى التجنيد الإلزامي الذي طال عشر الملزمين بضريبة الفردة ، وأعمال السخرة في مشاريع الحكومة ، وسحب الأسلحة من أيدي الناس ، واحتكار الحكومة للمنتوجات الزراعية الأساسية والحرفية. وأحد الأسباب المهمة لردة فعل السكان ضد الحكم المصري ، كان منح الأقليات الدينية المساواة أمام القانون ، تحت تأثير الدول الأوروبية ونشاط قناصلها وتدخلهم في إدارة شؤون البلاد.
ونتيجة ذلك ، فالحكم المصري في بلاد الشام ، الذي قوبل بالترحاب في البداية ، لم يلبت أن استجرّ عداء قطاعات واسعة من السكان. وبعد فرض الانسحاب عليه ، اجتاحت البلاد موجة من ردات الفعل ضد الإجراءات التي اتخذها ، وحاول الزعماء المحليون استعادة سلطتهم الضائعة عندما عادت البلاد إلى حكم العثمانيين. ومع ذلك ، فهذه الفترة القصيرة من الإصلاحات التي لم تترسخ ، مهدت الطريق أمام التنظيمات التي عمدت السلطة العثمانية إلى إدخالها في نظام الحكم. وكذلك ، فقد حصلت الدول الأوروبية خلال الحكم المصري على امتيازات كثيرة ، تكرست بعد عودة الحكم العثماني بمساعدة الدول صاحبة تلك الامتيازات. ونتيجة الحكم العثماني المتجدد ، الذي اتخذ قرارا بإصلاح نظام الحكم وإدارة الدولة ، عبر التنظيمات التي صدرت تحت ضغط الدول الأوروبية ، لم تفلح الزعامات المحلية ـ العشائرية ـ في بلاد الشام باستعادة المواقع التي فقدتها ، وأخلت مكانها لشريحة جديدة من الزعامة السياسية.
خامسا : فترة التنظيمات العثمانية
أعطى بنو عثمان في بداية بناء إمبراطوريتهم ، أصحاب تراث «الغازي» ، الجزء الأوروبي منها (روميلي) الأولوية على بقية الولايات ، وعندما احتلوا بلاد الشام في القرن السادس عشر ، لم يولوها أهمية كبيرة. وكان همهم الأساسي فيها هو الحفاظ على السيادة وجمع الضرائب وتأمين قافلة الحج السنوية وضبط الوضع القائم. ففي بلاد الشام ، كما في مصر ، أبقوا الوضع كما كان في أيام المماليك ، وعينوا بعض من تعاون معهم من أمراء المماليك ولاة في الأراضي التي احتلوها. وفي الواقع ، ترك العثمانيون لهؤلاء الولاة مسؤولية القضايا الاجتماعية والاقتصادية ، وسمحوا لهم بالاحتفاظ بجيوش محلية خاصة ، في إطار نظام إقطاعي ، يتعهد بموجبه كل وال بتجنيد قوات عسكرية (سباهي) ، بحسب حجم الإقطاع الذي منح له. واستغلت السلطة المركزية التناقضات بين الباشوات لضمان ولائهم ، وعمدت إلى ضرب أحدهم بالآخر ، لإبقائهم تحت السيطرة بصورة عامة. وفي حال فشلها ، كانت السلطة