خوفه ذعرا ، فتحصنّا برقاقه وبواتره ، وتحبّسنا بمحاسنه ومفاخره ، حين نهج ـ أيّده الله ـ طريق الدين من أمم ، واقتدى بالنبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأصحابه خير الأمم ، فجعل شعاره الجهاد ، وشيمته سلوك سبيل الرشاد ، فأثجمت بعدله سحائب الخيرات ، وأنجمت بعوامله غياهب الملمّات ، وتفرّج من الزمان أدهمه ، وانبلج عمود الأمان ولاح مبسمه ، وعادت به جزيرة الأندلس في حرز من نزغات الفتن ، وحفظ من لزبات الإحن ، فحمى حماها ، وذبّ عن أرجائها وفصم رداها ، وحصد شوكة أعدائها ووطىء الروم / [س ٦] وكفّها من غلوائها ، وذللها بعد استيلائها ، وخرّب ديارها ، وشتّت أحوالها ، وقتل حماتها وأبطالها ، فعظيمهم من أجله يتوقّع الحتوف في كلّ لحظة ، ويستجلب العطوف بكلّ لفظة ، فالخوف بين ضلوعه كالصلّ ، والثكل في أحشائه كالنّصل ، لا يرى من الليل سترا حالكا إلّا ظنّه جيشا فاتكا ، ولا من النهار ثغرا ضاحكا إلا توهّمه عضبا باتكا ، وقد حمّ لذلك حمامه وتشعّب نثره ونظامه ، وأتى على ضوئه ظلامه ، وبكى عليه رمحه وحسامه.
واتّضح بهذا القطر الأندلسيّ دين الإسلام ببركة دولة هذا البطل الهمام ، معمور الأرجاء ، موفور النّعماء ، مضمون النماء ، مصون السرّاء ، محجوب الضراء ،
فالحمد لله الذي شرف دولته على جميع الدّول ، وجعل ملوك الأرض لها كالأتباع والخول ، فهم تحت طاعتها يمرحون ، وفي مورد عنايتها يكرعون ، وإليها في مهماتهم يفزعون.
أبقاها الله تعالى في ذروة العزّ المكين ، والحرز الأمين ، والتّوفيق الواضح المستبين بمنّه وفضله وكرمه وطوله.