فارس منهم فدعا إلى البراز ، فخرج إليه رجل فقتله ، ثم ثان ثم ثالث فانقبض الناس عنه ، فجعل يدنو كالفحل المغتلم. فقال مروان : من يخرج إليه وله عشرة آلاف؟
فلمّا سمعت بالعشرة آلاف هانت عليّ الدنيا وسخوت بنفسي في سبيل العشرة آلاف وبرزت إليه فإذا عليه فرو قد بلّه المطر فارمعلّ ، ثم أصابته الشمس فاقفعلّ ، وله عينان تقدحان كأنهما جمرتان ، فلمّا رآني فهم الذي أخرجني ، فأقبل نحوي يرتجز ويقول :
وخارج أخرجه حبّ الطمع |
|
فرّ من الموت وفي الموت وقع |
من كان ينوي أهله فما رجع |
فلمّا رأيته قنّعت رأسي وولّيت هاربا ومروان يقول من هذا الفاضح لا يفوت حتى دخلت / [م ٦٥] في غمار الناس (١).
قالت الحكماء : على مقدار الصبر على المصائب تكون شجاعة النفس.
وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي (٢) : إنّ كل كريهة تدفع أو مكرمة
__________________
ـ الجزيرة ، ومات سعيد سنة ١٢٧ ه فخلفه الضحاك وبايع له الشراة ، فقصد أراضي الموصل ثم شهر زور ، واجتمعت عليه الصّفرية «فرقة من الخوارج» حتى صار في أربعة آلاف فسار إلى العراق واستولى على الكوفة وحاصر واسطا فصالحه عاملها وكاتبه أهل الموصل فاحتّلها ثم هزمه مروان بن محمد بنواحي كفر توتا وكان من علماء الخوارج. عن الأعلام ٣ : ٢١٥.
(١) الخبر في العقد ١ : ١٤٣ وعيون الأخبار ١ : ١٨٣.
(٢) أبو بكر الطرطوشي ٤٥١ ـ ٥٢٠ ه ـ ١٠٥٩ ـ ١١٢٦ م : محمد بن الوليد بن محمد بن خلف القرشي الفهدي الأندلسي ، أبو بكر الطرطوشي ويقال له ابن أبي رندقة ، أديب من فقهاء المالكية الحفّاظ من أهل طرطوشةTortosa بشرقي الأندلس ، تفقّه ببلاده ورحل إلى المشرق سنة ٤٧٦ ه فحجّ وزار العراق ومصر وفلسطين ولبنان وأقام مدة في الشام وسكن الإسكندرية ، وكان زاهدا لم يتشبث من الدنيا بشيء من كتبه سراج الملوك. الأعلام ٧ : ١٣٣ ـ ١٣٤ ، والنص المذكور في سراج الملوك ٢ : ٦٦٨.