وكيف ذلك وأنتم أبناء الحرب ، وأصحاب الطّعن والضّرب الذين لم يكونوا يسبقون بثأرهم ، ولا تطلّ دماؤهم ، فاتّقوا الله واصدقوا عدوّكم ، إنّ الله مع الصادقين. فعمل ذلك الكلام فيهم وشدّوا شدّة رجل واحد ، وضاربوا أعداءهم حتّى أزالوهم عن مواقعهم.
ويروى أنّ النّعمان بن مقرّن (١) كان الأمير في غزاة نهاوند حين برز إليه جموع الكفر ، وتعبّا الفريقان وتهيؤوا وتأهّبوا أهبة لم ير مثلها ، ووافق ذلك يوم جمعة ، فجعل النعمان يحرّض الناس ويعدهم وينشّطهم ويذكرهم ويتثاقل عن مناشبة الحرب ، ويثبط عنها ، فرمي المسلمون بالنّشّاب / [م ٣١] وكثرت فيهم الجراحات وهو يلوي الناس ، فعذله المغيرة بن شعبة (٢) وندبه إلى مناشبة الحرب ، والإذن للمسلمين في المزاحفة فقال النّعمان : ربّما أشهدك الله مثلها مع النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ شهدته إذا لم يقاتل أوّل النهار انتظر حتّى تهبّ الأرواح وتحضر الصّلوات وقد دنا الزّوال
__________________
(١) النعمان بن مقرّن ت ٢١ ه ـ ٦٤٢ م : النعمان بن مقرن بن عائذ المزني ، أبو عمرو ، صحابي فاتح ، من الأمراء القادة الشجعان ، كان معه لواء مزينة يوم فتح مكة ، سكن البصرة ، ثم تحول عنها إلى الكوفة ، ووجهه سعد بن أبي وقاص بأمر عمر إلى محاربة الهرمزان ، فزحف بجيش الكوفة إلى الأهواز وهزم الهرمزان وتقدم إلى تستر فشهد وقائعها وعاد إلى المدينة بشيرا بفتح القادسية ، ثم ولاه عمر غزو أصفهان ففتحها وهاجم نهاوند فاستشهد فيها ، ونعاه عمر إلى الناس في مسجد المدينة. وكانت وقعة نهاوند سنة عشرين للهجرة. انظر البلدان وفتوحها وأحكامها للبلاذري ٣٤٩ وما بعدها ، الأعلام ٨ : ٤٢.
(٢) المغيرة بن شعبة ٢٠ ق. ه ـ ٥٠ ه ـ ٦٠٣ ـ ٦٧٠ م : المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي أبو عبد الله ، أحد دهاة العرب وقادتهم وولاتهم ، صحابي ، يقال له : مغيرة الرأي ، ولد في الطائف وذهب إلى الإسكندرية ، (في الجاهلية) وعاد إلى الحجاز ، أسلم سنة ٥ ه وشهد الحديبية واليمامة وفتوح الشام وذهبت عينه باليرموك ، وشهد القادسية ونهاوند وهمدان وغيرها ، وولّاه عمر البصرة ففتح عدة بلاد ثم عزله ثم ولّاه الكوفة ، وأقرّه عثمان ثم عزله ، ولما حدثت الفتنة بين عليّ ومعاوية اعتزلها المغيرة. ثم ولّاه معاوية الكوفة وبقي فيها إلى أن مات. عن الأعلام.