أو ليس من أعظم فضائلها أنّ الممالك العظيمة والدّول الكبار التي يضطرّ الخلق إلى وجودها إنّما تقوم وتثبت بأصحاب تلك الصّفة. وهذا دين الإسلام المؤيّد بنصر الله الذي غلب على الممالك جميعا وبلغ من أقصى الشرق إلى نهاية الغرب ، هل ذلك ممّا قام بغير الشّجاعة والعزّة والفتوّة.
كتب أنو شروان (١) إلى مرازبته : عليكم بأهل الشجاعة والسخاء فإنّهم أهل حسن الظنّ بالله (٢).
قال بعضهم : الشّجعان عند اللقاء ثلاثة (٣) :
(فالأول) ـ رجل إذا التقى الجمعان وتقارب الزّحفان واكتحلت الأحداق بالأحداق برز من الصفّ إلى وسط المعترك يحمل ويكرّ وينادي : هل من مبارز فهو أشرفهم(٤).
والثاني ـ إذا ناشب القوم الحرب وصاروا حرجة مختلطين لا يدري أحد من أين يأتيه الموت ، فيكون رابط الجأش ساكن القلب حاضر اللبّ ، لم يخامره الدهش ولا خالطته الحيرة ، فيتقلّب تقلّب القائم على نفسه المالك لأمره ، وهذا أحزمهم (٥).
والثالث ـ إذا انهزم أصحابه لزم السّاقة وضرب في وجه العدوّ
__________________
(١) أنوشروان هو كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنوشروان. انظر نهاية الأرب ١٥ : ٢١٥ وما بعدها.
(٢) الخبر في العقد ١ : ١٠٠.
(٣) النقل من سراج الملوك ٢ : ٦٧١ وفيه : واعلم أن الشجاعة عند اللقاء على ثلاثة أوجه :
(٤) عبارة «فهو أشرفهم» ليست في سراج الملوك.
(٥) عبارة سراج الملوك : والثاني : إذا التحم القوم واختلطوا ، ولم يدر أحد من أين يأتيه الموت ... وعبارة «وهذا أحزمهم» ليست في سراج الملوك.