ولا يجوز ذلك في سائر الأفعال فلا يقال : (ضربتني ، وشتمتني) بل يقال (ضربت نفسي، وشتمت نفسي) وذلك ؛ لأن أصل الفاعل أن يكون مؤثرا والمفعول به متأثرا وأصل المؤثر أن يغاير المتأثر.
فإن اتحدا معنى كره اتفاقهما لفظا فقصد (١) مع اتحادهما معنى تغايرهما لفظا (٢) بقدر الإمكان فمن ثم قالوا : (ضربت نفسي) ولم يقوموا : (ضربتني) فإن الفاعل والمفعول (به) ليسا بمتغايرين بقدر الإمكان لاتفاقهما من حيث كون (٣) كل واحد منهما ضميرا متصلا (٤) بخلاف (ضربت نفسي) فإن (النفس) بإضافتها إلى ضمير المتكلم صارت كأنها غيره ، لغلبة مغايرة المضاف للمضاف إليه ، فصار الفاعل والمفعول فيه متغايرين بقدر الإمكان.
وأما أفعال القلوب فإن المفعول به فيها ليس المنصوب الأول في الحقيقة (٥) ، بل مضمون (٦) الجملة فجاز اتفاقهما لفظا ؛ لأنهما ليسا (٧) في الحقيقة فاعلا ومفعولا به.
ومما أجرى مجرى أفعال القلوب (فقدتني ، وعدمتني) لأنهما نقيضا (وجدتني) فحملا عليه حمل النقيض على النقيض.
وكذلك أجرى (رأى) البصرية (٨) والحلميّة على (رأى) القلبية ، فجوز فيهما ما
__________________
(١) قوله : (فقصد عطف على كره) أي : بسبب استكراه الاتفاق في اللفظ. (محرم).
(٢) بأن يجعل أحد الضميرين معبرا بالاسم الظاهر المنشئ عن التغاير. (محرم).
(٣) وإن اختلفتا من حيث كون أحدهما مرفوعا والآخر منصوبا فإن الواجب رعاية تغايرهما بقدر الإمكان في اللفظ. (حاشية).
(٤) والحال إنه اعتبر تغايرهما لفظا بقدر الإمكان هذا خلف. (أيوبي).
(٥) حتى يجري فيه ما يجري في غيرها من الأفعال منها أصالة تغاير الفاعل والمفعول به. (تكملة).
(٦) فإن المفعول به في قولنا : علمت زيدا قائما ليس زيد فقط بل مجموع قيام زيد فكان قولنا : علمتني قائما بمنزلة علمت قيامي وهو بعينه كقولنا : ضربت نفسي. (شرح الشرح).
(٧) أي : الفاعل والمنصوب الأول في الحقيقة فاعلا ومفعولا به أي : مؤثرا أو متأثرا أما الفاعل فلعدم كون أفعال القلوب من قبيل التأثير وأما المنصوب الأول فلعدم تعلق الفعل به بل بمضمون الجملة وبهذا ظهر أن الدليل يختص بأفعال القلوب. (فاضل محشي).
(٨) قوله : (رأي البصرية والحلمية) أي : أجري التي بمعنى أبصير والتي بمعنى رأى في المنام ـ