احتفظت بأسابها العربية ولم يدخلها دم جديد كسكان الشوف ووادي التيم وجبل حوران وجبال الكلبية. وما طول القامات واتساع الصدور ومتانة العضلات والجملة العصبية والأدمغة في الأفراد إلا أدلة ناصعة على ما ورثه الشاميون من الدم العربي. وفي الشام جميع الأمزجة يكثر الدمويون مثلا في داخل القطر كالقدس ونابلس وصفد ودمشق وحمص وحماة وحلب وأنطاكية ، كما يكثر الصفراويون العصبيون في يافا وحيفا وصيدا وبيروت وطرابلس واللاذقية والإسكندرونة من مدن الساحل. وإن ما في تركيب أدمغة السوريين من أشكال الرؤوس كالشكل البيضوي المستطيل المعروف عند الافرنج ب (دوليكوسفال ـ Dolichoce ? phale) الشكل المدور المنبسط المعروف ب (براكيسفال Brachyce ? phale) ليدل كل الدلالة على مبلغ الشاميين من الذكاء والمضاء فقد قال فوليه : إن اتساع الجبهة يشعر باستعداد الحواس العقلية ، وامتداد القذال ينم عن استعداد للشهوات الجسمية. وفي وجوه السوريين تقرأ بعض أصولهم القديمة وما امتزجت به من الدم الحديث فسود الشعور والعيون والبشرة إجمالا هم من أصل عربي ، وشقر الشعور وزرق العيون وبيض البشرة فيهم الدم القافقاسي. وفي تراكيبهم دم العبيد والزنوج كما فيهم دم العرق الأبيض. قال جلابرت :إذا فحصت الصور المكتشفة في صيدا تحققت أنه كان يدخل في خدمة السلوقيين رجال من كل فج وصوب ، منهم يونان كأهل لقديمونة واقريطش ، ومنهم أسياويون كأهل قارية وبيسيدية وليقية وليدية ، وإن العقل ليحار باختلاط كل هذه الجنسيات في جيوش السلوقيين.
وسكان الحولة وأريحا والغور ويقال لهم الموارنة لا يشبهون بالطبع سكان اللبنانين الغربي والشرقي وجبال اللكام لمكان الهواء واختلاف البعد والقرب عن سطح البحر. وابن ضفاف العاصي وبردى ليس في طبيعته كالنازل على ضفاف الأردن والفرات. والاختلاف ما بين من نزل البطون وبين من نزل الحزون وبين من نزل النجود وبين من نزل الأغوار مشهود في كل أمة ، ومع هذا تساوى سكان هذا القطر من حيث الجملة كما قال الجاحظ في العرب : «في التربة وفي اللغة والشمائل ، وفي الأنفة والحمية ،