من أرمناز قرب معرة مصرين سقط عن فرسه فمات. وقد قتل في أنطاكية وأسر وسبي من الرجال والنسوان والأطفال خلق كثير.
ولما سقطت أنطاكية عادت عساكر الشام فتجمعت ، وحاصر المسلمون أنطاكية حتى عدم القوت منها ، وأكل الفرنج الميتة ، فزحفوا وهم على غاية من الضعف الى عساكر الإسلام ، وهم في الغاية من القوة والكثرة ، فكسروا المسلمين وفرقوا جموعهم. والسبب في هذه الهزيمة أن كربوغا صاحب الموصل كان في عسكره على حصار أنطاكية مع أمراء دمشق وحلب وحمص وغيرهم ، فأساء السيرة فيمن اجتمع معه من الملوك والأمراء وتكبر عليهم ، فخبثت نياتهم على كربوغا فهزمهم عدوهم وهو في ضعف وهم في قوة. قال صاحب التاريخ العام : وكان الجيش الإسلامي الذي دافع عن أنطاكية وأنجد صاحبها مؤلفا من مائتي ألف محارب ، ولو استطاع هذا الجيش أن يصل كله الى أنطاكية لقضى على الصليبيين جملة ، ولم تلبث الحرب أن نشبت بين الصليبيين فاختلف البرفنسيون والنورميون ، حتى إن الفرسان هددوا المتحاربين من الفرنج أن يخربوا المدينة التي كانوا يتنازعون ملكها. وظلت الحرب على أنطاكية أربعة أشهر ففتحت بعد مذبحة هائلة قتل فيها من الفريقين ألوف.
ولما انهزم المسلمون أمام الفرنج على أنطاكية ، سار هؤلاء بجملتهم الى المعرة وضموا إليهم الأرمن الذين كانوا في طاعتهم وبعض النصارى الشاميين ، فاستولوا عليها ووضعوا السيف في أهلها ، وقتلوا منها ما يزيد على مائة ألف إنسان في أكثر الروايات ، وسبوا مثلهم وأقاموا بالمعرة أربعين يوما ، ثم زحفوا عنها بعد أن قتلوا أهلها وقطعوا أشجارها. قال ميشو : إن الفرنج قتلوا جميع من كان في المعرة من المسلمين الذين اعتصموا بالجوامع واختبأوا في السراديب ، فأصبحت خاوية على عروشها ، وفقد الفاتحون كل زاد وساءت حالهم ، ثم وقع الخلاف بينهم وصاروا في رواية يأكلون جثث الموتى ، وهدموا أسوارها وأبراجها ، وأحرقوا المساجد وكسروا المنابر وهدموا الدور ، ثم ساروا الى عرقة وحصروها أربعة أشهر ونقبوا سورها عدة نقوب ، فلم يقدروا عليها ، ثم ساروا الى حمص فصالحهم