في أيامهما وضعف أهله وغلت الأسعار ولا سيما على عهد العزيز ، وكانا يبادران حالا الى إبدال العمال مخافة أن ينزعوا الى العصيان. أما عهد الحاكم فكان الخلل المطلق ، لخلل في عقله وخرق في سياسته ، وكانت الشام بعده تختلف باختلاف العامل الذي ترسله مصر.
وبينا القطر متقلقل في سياسته أقبلت من الشرق قوة عظيمة لا قبل له بدفعها. قوة الدولة السلجوقية التركمانية الجديدة جاءت لتقضي على الدولة الفاطمية العربية التي نزل بها الهرم أو كاد. والسلجوقيون نسبة لسلجوق من صغار أمراء الترك في أرجاء بخارى ، يقسمون الى ثلاثة فروع ، فرع العجم وهذا الذي استولى على العراق والجزيرة ، ثم على الشام والحجاز واليمن ، وفرع الروم أي آسيا الصغرى ، وفرع كرمان. والتركمان قبائل كانت لأول أمرها تنزل بين بحيرة آرال وبحر الخزر ، وهم من أول الأتراك الذين دانوا بالإسلام وخدموا بني العباس ، هاجروا الى فارس والعراق وآسيا الصغرى. وهم أصل الترك العثمانيين سكان الأناضول ، وأعظم الشعوب التركية. والفرق طفيف بين لسانهم ولسان اويغور أي الجغتاي. وتنقسم الألسنة التركية الى خمسة أقسام وهي الجغتاي أو اويغور والنوغاي أي التتري والقرغيز والياقوت واللسان العثماني. فإذا أطلق اسم الترك فالمقصود منه الجنس الجامع لهذه الشعوب الخمسة ، وإذا قيل التركمان أريد به أعظم شعب في الترك ، وكلا الإطلاقين جائز. والتركمان على جانب عظيم من الشجاعة والفروسية ، أظهروا من الجلادة منذ وطئوا هذا القطر ما خلدوا به أعظم المفاخر ، وأسسوا في الشام حكومات منها المحمود ، ومنها دون ذلك.
لما سار السلطان آلب أرسلان ثاني ملوك السلجوقيين بجيوشه الى الشام ، كانت مملكته تمتد الى الصين شرقا ، ومن أقصى ديار الإسلام شمالا ، الى أقصى اليمن جنوبا ، وجاء الى حلب وأقام الحصار عليها وعظم القتال بين عساكره وحامية حلب لصاحبها محمود بن نصر بن صالح بن مرداس ، ثم استسلم هذا وخلع عليه السلطان آلب أرسلان ، وأعاده الى بلده فبعث إليه مالا جزيلا. وفي تلك السنة (٤٦٣) قطع خطبة المستنصر العلوي